×
محافظة المنطقة الشرقية

مصر تترقب قدوم الأمير سلمان باستقبال حاشد في يوم تنصيب السيسي رئيساً

صورة الخبر

تحلّ في هذا العام ذكرى مرور مئة عام على وفاة علامة بلاد الشام الفقيه المحدِّث المفسِّر الكبير الشيخ محمد جمال الدِّين القاسمي، المعروف بـ (جمال الدِّين القاسمي) اختصاراً، أحد رواد النهضة العلمية الدِّينية الحديثة ببلاد الشام في العصر الحديث، وأحد رجالات العلم الكبار من المسلمين في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وصاحب المؤلَّفات القيّمة الكثيرة التي انتفع بها العلماء وطلاب العلم من المسلمين، وقد عمّت شهرته الآفاق، وعرف له فضله أحبابه وخصومه على السواء، وكان مالئ الدنيا وشاغل الناس في العقدين الأخيرين من سنوات حياته المباركة. ولد القاسمي بحي القنوات الشهير أحد أعرق الأحياء الدمشقية القديمة عام 1283هـ/1866، ونشأ في أسرة دمشقية شهيرة، وكان والده الشيخ محمد سعيد القاسمي من شيوخ العلم بدمشق، فتأثر به ولده (جمال الدين) منذ نعومة أظفاره وقرأ عليه ما قدّر الله له أن يقرأ من القرآن الكريم، ثم ألحقه أبوه بكُتَّاب الحي الذي ولد فيه، فتلقى فيه مبادئ العلوم العربية والعلوم الشرعية، وأخذ بعد ذلك فنّ الخط عن الخطاط التركي الشهير محمود بن مصطفى القوحي الذي كان مقيماً بدمشق آنذاك، وتعلّم تجويد الخط على يديه، وانتقل بعد ذلك لأخذ العلم في مراحله المتقدمة عن شيوخ دمشق الكبار، كالشيخ أحمد الحلواني الكبير شيخ قراء الشام، والشيخ سليم العطار أحد أشهر شيوخ العربية بدمشق آنذاك، وعلى غيرهما من أعيان علماء دمشق الشام أيضاً. وحين اشتد عوده وسطع نجمه قصد مصر وكانت مقصد أهل العلم في تلك الفترة من الزمان، والتقى بجمهرة من العلماء والأدباء والأعيان فيها، كالشيخ محمد عبده، والشيخ رشيد رضا، والأستاذ رفيق العظم، فأثر فيهم وتأثر بهم، ولقبوه بعلامة الشام. وعاد إلى دمشق بعد فترة من الزمن حاملاً معه عدداً كبيراً من نفائس الكتب الدِّينية واللغوية المطبوعة بمطابع القاهرة ومكتباتها الشهيرة، وأخذ يدرّس طلاب العلم بمنزله بدمشق علوم العربية والعلوم الشرعية من عقلية ونقلية. ثم كانت له حلقة علمية في جامع السنانية وأخرى بمدرسة عبد الله باشا العظم بدمشق أفاد فيها منه طلاب العلم فوائد جمة. وكان للقاسمي أمل عظيم في تجديد النهضة العلمية الدينية في بلاد الشام وعمل من أجل تحقيق هذه الغاية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وكان أشبه ما يكون حالاً بأئمة السَّلف الصالح، تعليماً للخواص، وإرشاداً للعوام، وتأليفاً للكتب النافعة، وزهداً في حطام الدنيا، ومع ذلك كله فإنه لم يسلم من الأذى، فقد اتهمه حسّاده بتأسيس مذهب جديد، فقبض عليه بأمر من المسؤولين بدمشق آنذاك، واستجوب فردّ التهمة، فأخلي سبيله واعتُذر إليه. والّف مؤلفات لنفسه واختصر مؤلفات لغيره من العلماء المتقدمين وكانت لمساته فيها جميعاً تحاكي لمسات العلماء من أئمة السّلف الصالح القدامى. ومن أشهر مؤلفاته الذائعة الصيت تفسيره «محاسن التأويل» وهو من خيرة التفاسير المؤلَّفة على أيدي العلماء في العصر الحديث وفيه تظهر براعته في التأليف وتمكّنه من فهم كتاب الله تعالى وما قيل في تفسير آياته الكريمة من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وأئمة العلم من التابعين وأتباع التابعين، وعبارته فيه مشوقة لا تمل ويمكن أن يفهمها المتخصصون والمتوسطون ومن هو دونهم من أهل العلم. ومن أشهر مؤلفاته أيضاً كتابه «قواعد التحديث في فنون الحديث» وهو غاية في النفاسة في هذا الفنّ العلمي من فنون الشريعة الغرّاء. ومن أحاسن مؤلفاته أيضاً وأكثرها شهرة كتابه «حياة البخاري» الذي كتب فيه سيرة مختصرة وافية لإمام المحدّثين محمد بن إسماعيل البخاري، وفيه يظهر فهمه دقائق كتابه «الصحيح» ومنهجه السليم في تأليفه كأصح كتاب في الحديث النبوي الشريف، وقد كان لي شرف تحقيق كتابه القيّم هذا ونشر في بيروت منذ قرابة ربع قرن. ومن أفضل مؤلفاته الخطّية التي لم يقدر لها النشر كاملة إلى الآن كتابه «تعطير المشام في مآثر دمشق الشام» وقد خصصه للتأريخ لدمشق الفيحاء منذ أقدم العصور وإلى الفترة التي عاش فيها، وكتب فيه تراجم كثيرة لرجالات القرون الهجرية متقدمها ومتأخرها، وقد كان لي شرف تحقيق قطعة من هذا الكتاب النفيس وهي بعنوان «طبقات مشاهير من أهل القرن الرابع عشر الهجري» ونشرت بدمشق عام 1427هـ/2006م. ومن حق القاسمي على دمشق الشام وأهلها أن ينشر كتابه هذا على يد خبير في التاريخ الإسلامي أو مجموعة من الخبراء. ومن أشهر مختصراته لمؤلفات العلماء المتقدمين كتابه «موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي. وقد أخذ العلم عن القاسمي جمع غفير من العلماء، كالشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ جميل الشطي، والشيخ حامد التقي، وتأثر به عدد كبير من والمؤرخين والأدباء من أبناء دمشق، كالعلامة محمد كرد علي مؤسس مجمع اللغة العربية بدمشق وصاحب المؤلفات الكثيرة الرّصينة، والعلامة خير الدين الزِّركليّ صاحب كتاب «الأعلام». وكانت للقاسمي صداقات متينة مع عدد من العلماء الكبار الذين عاصروه بدمشق الشام، أشهرهم الشيخ عبد الرزاق البيطار والشيخ عبد القادر بدران، وقد انتقل القاسمي إلى جوار ربه قرير العين عام 1332هـ/ 1914 ولما يبلغ الخمسين من عمره بعد، وكانت دمشق الشام آنذاك أحوج ما تكون لأمثاله من العلماء العاملين المخلصين، رحمه الله وأعلى مقامه في عليِّين يوم الدّين. تراث