النسخة: الورقية - دولي قرر الرئيس باراك أوباما خوض حرب على جبهتين، من دون أن تطأ قدم أي جندي أميركي الأرض: الأولى ضد الإرهاب والثانية ضد النظام السوري. كيف ذلك؟ يشرح الرئيس الأميركي الموقف على الشكل التالي: «إن التدخل العسكري ليس العنصر الوحيد، أو حتى الأول، في قيادتنا (العالم) في أي ظرف. كوننا المطرقة الأفضل ليس علينا أن ندق كل مسمار. إن الولايات المتحدة تستخدم القوة أحادياً عندما تستدعي ذلك مصالحنا الجوهرية. وعندما يصبح رزقنا في خطر، أو حين يتعرض أمن حلفائنا لخطر». ركز أوباما على أن المرحلة تستدعي الولايات المتحدة إلى محاربة الإرهاب، ودعم «المعارضة السورية المعتدلة». وكي لا يخطىء أحد التفسير، تولى الرئيس شخصياً شرح ما يعنيه. بعد يوم من تعهده زيادة دعم المسلحين «المعتدلين»، فقال في مقابلة مع إذاعة «ان بي آر» الأميركية: الأوضاع (في سورية) أكثر سوءاً من نواح كثيرة، لكن قدرة بعض المعارضة أفضل وهذا مفهوم. وهي تحتاج إلى وقت كي تصبح أكثر تنظيماً وتطرد المقاتلين المتطرفين. وعندما يتحدث المرء عن المعارضة المعتدلة فإن كثيرين من هؤلاء الناس هم مزارعون أو أطباء أسنان، أو ربما بعض المراسلين الإذاعيين ممن ليست لهم خبرة كبيرة في القتال». تدريب أطباء الأسنان والمراسلين والمزارعين و»صغار الكسبة» يستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً أن المهمة المناطة بهم لم تستطع قوات أعظم دولة الإضطلاع بها لا في العراق ولا في افغانستان، والرئيس يدرك ذلك تماماً. وبناء على إدراكه هذا قرر الإنسحاب من بغداد وكابول. واعتبر ذلك أهم إنجاز حققه خلال ولايته. في ذروة «مجده» أطلق جورج بوش الإبن حملة لكسب عقول وقلوب العراقيين والعرب. دعمت إدارته وسائل إعلام كثيرة. اختارت موظفين ديبلوماسيين يتقنون العربية. شنت حملة إعلانية في الصحف تطلب «متعاونين» عرباً مع «سي آي إي». حولت كلمة ديموقراطية إلى فانوس سحري يسعد الشعوب. دربت عراقيين على القتال. دعمت أحزاباً دينية وطائفية قائمة. شكلت خلايا سرية. اغتالت الكثيرين، خصوصاً العلماء وقادة الرأي. وها هو العراق أمامنا ينعم بالأمان والسلام والإستقرار. وها هي «القاعدة» وقد هزمت وبدأت تنشر ديموقراطيتها وأفكارها النيرة في بلاد الشام كلها. مقاتلو «القاعدة» لم يخلقوا مقاتلين. هم ايضاً مزارعون وأطباء اسنان وموظفون. بعضهم طلاب جامعات أميركية وأوروبية. وهم مواطنون في دول استخدمتهم في حروبها السابقة وانقلبوا عليها. في السابق، أي ايام الحرب الباردة، تولت تدريبهم الولايات المتحدة لمواجهة الجيش السوفياتي. احسنوا استخدام السلاح المؤمن لقتل الكفار والملحدين، وما زالوا على النهج ذاته أينما حلوا، وأينما كان للولايات المتحدة مصلحة في زعزعة الإستقرار. أما تدريب غيرهم من «المعتدلين» لمواجهتهم في سورية، ومواجهة النظام في الوقت ذاته، على ما أعلن أوباما، فليس سوى تجربة جديدة من التجارب السابقة على مدى السنوات الثلاث السابقة. تجربة ستفشل مثلما فشلت سابقاتها. فالسلاح والتدريب وتسهيل انتقال مقاتلي «القاعدة» وغيرهم إلى الأرض السورية مستمر منذ بداية الأحداث. ومن الغباء الإعتقاد بأن المزيد من العسكرة سيحسم الأمر. ولأننا نعلم أن الإدارة الأميركية ليست غبية لا يبقى أمامنا سوى الإستنتاج أن خططها المحدثة تهدف إلى إطالة أمد الحرب وتخريج المزيد من الإرهابيين بأسلحة أكثر حداثة وفتكاً تدفع شعوب المنطقة ثمنها وثمن ما تخلفه من دمار وأحقاد. بين المطرقة وأطباء الأسنان اختار أوباما الأطباء. عليهم خلع مقاتلي «القاعدة» باعتبارهم أضراساً مسوسة لكن السوس في مكان آخر لا يرغب الرئيس الأميركي في الإشارة إليه أو تسميته.