×
محافظة المنطقة الشرقية

نقل مريض كورونا بـ «الإخلاء الطبي» من حفر الباطن إلى مجمع الدمام

صورة الخبر

وصلنا إلى الدمام عبر طريق مسفلت ذي مسار واحد، وبعد أن انقضى من الليل نصفه ولم يبق على الفجر إلاّ ساعات؛ وصلنا مجهدين، ولم نكن نعلم من أين نأتي البحر؛ ولكننا وصلنا بتدبير مدبر وتيسير ميسر في ظلمات ليل بهيم إلى شاطئ « الهاف مون » الذي لم نكن نعلم ماذا يعني هذا الاسم بالإنجليزية ولمَ أطلق ومن أطلقه؛ إلا أن عجمته أطربتنا وأوحت إلينا بنوع من التمدين وزهو لم نستطع إخفاءه عن بعضنا حين ننطق الاسم ملحوناً بلهجة قروية مفخمة الحروف، وصلنا بعد منتصف الليل متعبين ونصبنا خيامنا بهمة الشباب واستسلمنا لنومة ثقيلة مريحة رائعة وأصبحنا على بركة الله؛ فإذا البحر أمامنا بكبريائه وخيلائه وهدوئه وأمواجه ومده وجزره؛ البحر الذي كنا نحلم برؤيته ونرسمه بالأزرق والأبيض على الورق ونحدد شاطئه الرملي الساحر بإتقان، هاهو أمامنا الآن وجهاً لوجه نرتوي برطوبته ونستنشق نداه وتصافح وجوهنا الغضة نسماته الصباحية المبهجة محلقة بأصوات النوارس وطيور البحر التي لم نألف رؤيتها من قبل، يا للمتعة التي لا نعرف كيف نعبر عنها إلاّ بالركض كالمجانين نحو البحر نفسه لنرطرط فيه بأقدامنا العارية، ونغترف منه بأيدينا المتعطشة لأسراره وغموضه وزرقته الداكنة البهيجة ! لم يكن لدينا طموح أو معرفة أو مقدرة مالية على أن نطرق أبواب فنادق أو شقق عارية أو مفروشة، ولم تتكوّن آنذاك شقق للإيجار، أما الفنادق فقد كانت بعيدة المنال عنا بعالمها المترف كما نتخيل أو نفكر؛ كانت الشواطئ والحدائق والبراري سكننا وملاذنا الذي لن يطالبنا أحد بدفع ريال واحد حيث نصبنا خيامنا أسبوعا أو حتى أشهراً، وأنا لنا فضلة من مال لندفعها إلى الفنادق أو الشقق؛ فبطوننا أولى بها ! قررنا بعد تناول وجبة إفطار سريعة من المعلبات التي تزوّدنا بها للوجبات السريعة الخفيفة، أن نبدأ رحلة استكشاف إلى الدمام ثم الظهران ثم الخبر، ولكننا لم نكن نعلم من أين نبدأ ؟! فقادنا كبيرنا الذي علّمنا التمرد « صالح » ومساعده « عبد العزيز » إلى حيث لا نعلم؛ هم يتحركون بسيارتهم ونحن وراءهم مثل الأطرش في الزفة ! إن وقفوا وقفنا وإن ساروا سرنا، يتساءلون ونحن معهم : ما اسم هذا الشارع ؟ وإلى أين يفضي بنا ؟ وأين تقع شركة أرامكو ؟ وهل يمكن أن نرى البترول ؟ وما هو شكل ولون ورائحة البترول ؟ وكيف يخرجه الأمريكان من أعماق الأرض ؟ ولا شك ونحن عندهم وبجوارهم لا بد أن نرى منهم كثيرين؛ كنا نتخيل أننا سنجد الأمريكي الخبير في كل مكان ستطؤه أقدامنا في الشرقية؛ ولكن ظننا خاب فلم نر إلا أبناء جلدتنا العرب الأقحاح ذوي البشرة الحنطية والسمراء وبين بين أمثالنا! كانت السيارة الأولى التي يمتطيها زعيما هذه الرحلة تسير ونحن نسير، إن توقفت توقفنا، وإن سارت سرنا، حتى لم تدع السيارة القائدة والسيارة التابعة طوال هذا النهار الحار من صيف الشرقية المشبع بالرطوبة الخانقة، شارعاً ولا حياً ولا عمارة لافتة ولا سوقاً كبيراً للتبضع، ولا بنكا أو شركة في المدن الثلاث إلا وتوقفنا عنده وسألنا ما اسمه؟ وما شأنه؟ وأين نحن الآن؟! كنا نعلم أن وراء بحر الخبر الجميلة التي عشقنا جمال تنظيم شوارعها وحسن بناء فللها دولة أخرى قريبة منا تسمّى البحرين؛ ولكن كيف لنا أن نعبر هذا البحر إليها ولو لساعات تكفي للاطلاع والفرجة؛ إذ لا وسيلة وحيدة للعبور إلاّ السفن؛ فأصابنا اليأس بعد نظرة تأمُّل طويلة لما وراء الأفق الغائم البعيد! وفي يوم العودة أعددنا وجبة الغداء؛ لكن عاصفة ترابية عنيفة حالت بيننا وبينها؛ فقررنا الرحيل بمائدتنا التي لم نتناولها إلا في « الرغيب » قبل قريتنا بعدة كيلو مترات، مع شيء غير قليل من الضحك والتعليقات الساخرة والجوع المؤجل خمس ساعات!