شيباتي تطاردني في كل صحيفة أكتب فيها، كما تطاردني في تويتر والفيسبوك وكل صفحة إلكترونية يرد فيها اسمي أو تنشر مقالا من مقالاتي: «استح على شيباتك» و «المفروض أن شيباتك تعلمك الأدب» و«راعي شيباتك وتب إلى الله»، إلى آخره من تصيد شعري الأبيض واستغلاله لتوبيخي وتقريعي وإرسالي إلى القبر. كأنني أنا الشايب الوحيد في المملكة، أو أن صاحب الشيب يجب أن ينزوي في مشراقه أو دكة بيته لا يحرك ساكنا ولا يقول رأيه في قليل أو كثير من شؤون الدنيا. وقد اتضح لي أن بعض القوم إذا لم يعجبهم مضمونك أخرجوا المكبرات ليتفحصوا في شكلك، من رأسك إلى أخمص قدميك: غير ملتحي.. بدون شنب.. لا وشايب بعد.. قصير.. طويل..أصلع..أسود.. طرش بحر.. وكل ما يمكن أن تلتقطه مجاهر (الشخصنة) التي تربوا عليها من أساتذتهم الذين علموهم أو على الأقل لم ينصحوهم ولم يحذروهم من التنابز بالألقاب وأكل لحم الأحياء. وهذه، بطبيعة الحال، محض ممارسة لا تدل إلا على قلة في العقل ورداءة في التفكير وفقدان للحجة في الموضوع محل النقاش، الذي مهما بلغت فيه حدة الاختلاف يبقى هناك حدود موضوعية لهذا الاختلاف دون الحاجة إلى القفز إلى الحياض الشخصية والقبلية التي يهرب عبرها صغار العقول والنفوس من عجزهم وضحالتهم. لقد قلت في مداخلة إعلامية مؤخرا حول أمر من أمور السلوكيات السيئة لدى بعض شبابنا أننا لا بد في حالة غياب السلوك الطيب أن نفتش عن التربية: هل كانت موجودة في بيت هذا الشخص ومدرسته ومحيطه الأسري والاجتماعي أم أنها كانت غائبة؟! أنا شخصيا أعتقد أن بعض الناس، كبارا وصغارا، اختطفوا في العقود الماضية من مراجعهم الأخلاقية الحميدة ومن حواضنهم الأسرية المحترمة لتبنى أخلاقهم وألسنتهم عبر تجمعات ومدارس لا تقدم سوى أفكار الإلغاء والتصنيف والعزل الاجتماعي الذي يقسم الناس إلى جزر، وكل جزيرة ترفع عقيرتها بالإساءة إلى الجزيرة الأخرى. وليس هناك، في نظري، من حل لهذه المشكلة سوى إعادة التربية عبر جهاز التعليم العام.