×
محافظة المنطقة الشرقية

وزير الزراعة يوقع عقدين لتطوير سبل نقل مياه الري في الأحساء والقطيف بأكثر من 162 مليون ريال

صورة الخبر

كنت أظن أنه يمكنني تحمل الحزن بمفردي، وأنني أبحث عن البشر، فقط، في لحظات الفرح، ربما لأنها لحظات نادرة ومشاركة الآخرين إياها تمنحها ثباتاً في أكثر من ذاكرة. يخيل إليك أنك بهذه الطريقة تستطيع القبض على لحظات السعادة، وأنها لن تفلت من الذاكرة الجماعية حتى وإن أفلتت من ذاكرتك. لكنني في هذا الصباح، استيقظت وفي داخلي حزن يمكن اقتسامه مع العالم كله، لهذا طلبت منك أن تكون بقربي هذه الأيام. أعرف أن هذا ليس من مهام عملك الذي لا يتجاوز قراءة الصحف والكتب على مسامعي كل يوم، وكتابة ما أمليه عليك أحياناً أخرى، لكنني أرى ما في داخلك، وأوقن أن لديك الرغبة نفسها في طرد كوابيس تسكنك، منذ سمعت صوتك للمرة الأولى وأنا أعرف ذلك، وأن علينا اقتسام الأحزان والكوابيس معاً. أتردد على مكتبة حديثة في الزمالك، حيث تعارفنا أول مرة، حين نصحتني صديقتي قبل سفرها أن نعلق إعلاناً على جدران المكتبة، وعلى صفحاتي في المواقع الاجتماعية، حتى أتيت أنت، ومن حظي أنها كانت تعرفك، فوثقت في أنك تحل محلها في مهمتها اليومية. كان الأمر بالنسبة اليك عملاً نظير أجر وفق ساعات اللقاء اليومي، ووافقت أنا حين سمعت صوتك للمرة الأولى، رغم أنك تصغرني بخمسة عشر عاماً، إلا إن كلاً منا يملك ما يريده الآخر، أنت عين ترى ما يراه البشر لكنك تحتاج الى من يشير إلى نقطة النور التي تبدو لنا ولا يراها إلا المحظوظ. أشعة الشمس تتسلل من النافذة التي تجاور طاولتي المفضلة. أشعر بها تدفئني في الشتاء أو تترك آثارها على وجهي في الصيف. أعرف أن هذا يحدث ولا أكترث بك حين ترغب في تغيير المكان. أحب النور الذي يصل حيث يريد، حين أراه في أحلامي ليلاً. أعرف أنه اختبأ في أعماقي ليباغت الظلمة. الشمس تعرفني وأعرفها وإن لم أرها، وأستطيع أن أقص عليك قصصاً تختزنها طوال يومها كي تمنحها لي في أحلامي، فلا تحاول التواري منها لأنني سأراك مهما حاولت الاختفاء. اليوم أريد أن أرقص، وأنت تريد أن تحكي. أخبرتك عن دروس للرقص أرغب في أن أتقدم لدراستها، وإنني أحتاج مرافقاً. ترددت قليلاً لكن لم يكن من الممكن ألا تُحقق أمنية لمن هي مثلي، بخاصة أن الرقص والحكي قد يجتمعان، مع أنك لا تحتاج الى الحكي، فالشمس التي كنت تهرب منها تنير أحلامي كل ليلة، وتحكي لي عنك وعن رغبتك في التخفي حتى أنك اخترت عمياء لتجالسها كل يوم كي لا تعرف إلا ما تحكيه لها، والرقص يقرب الأرواح إلى حد يصعب معه التخفي. تتشبث بيدي كأنك ترغب في أن أقودك في حلبة الرقص. نتدرب في صالة واسعة مع خمسة أزواج آخرين، وأعيننا على المدرب الأشقر والموسيقى تمنحنا إيقاعاً خاصاً. تسألني الحديث عن سبب فقدان بصري فلا أرد بل أحرك جسدك معي وفقاً لتعليمات المدرب. تقول لي إنك كدت تفقد بصرك حين صوب عليك قناص أعمى نيرانه لكن كما قالت جدتك: العين عليها حارس. عرفت يومها أنك اخترت تلك المهمة اليومية إلى جانب دراستك لترافق عيوناً أخرى لم تجد من يحرسها! سأعترف لك: لستُ من مصابي الثورة، لقد فقدت عيني اليسرى قبل ذلك بكثير، ربما أكون قد ولدت من دونها؛ فإنني لا أذكر أنني احتجت إليها من قبل ولم أجدها، لماذا تتعجب؟ في الحقيقة ربما أكون ولدت بها فأنا أحلم أحياناً بعيني اليسرى مبصرة لكنها تنحرف قليلاً نحو الخارج، ويظن من أنظر إليه أنني أنظر في اتجاه آخر. أعتقد أن للأمر تسمية علمية ما. يا لك من مجامل يا صديقي ليس بـ «حوَر» كما تقول. إنه أمر لا يمكن ربطه بأي مظهر جمالي، وأنا لست متذمرة على كل الأحوال، فالمرء لا يحتاج لعينين كي يعيش، عين واحدة قد تكفي، ربما لا أحتاج الى عين على الإطلاق! أعتذر على قطع سردك لقصتك. يمكنك الإكمال أثناء الرقص. ألا تراني أحكي وأنا أرقص، بينما يزعجك عدم قدرتك على نفث دخانك بغضب في وجه العالم في صالة الرقص! دعنا نكمل ونتعلم رقصة جديدة بينما تروي عما فقدته من أحلام. أخبرتك أنه يمكنك الرقص والحكي. يمكنك الرقص وأنت ترثي الأحلام. يقولون إن العين مرآة الروح، وإن صدقت تلك المقولة فالعالم لا يرى سوى نصف روحي في الواقع، أما في الأحلام فمن أنظر إليه وتطل روحي من أجله لن يراها؛ فسيظن أنها تطل من أجل شخص آخر. إنه حمار صغير على كل الأحوال، وأنا أيضاً بغلة يا صديقي، لا تضحك، فإن صدقت المقولة، فروحي تطل من أجل العالم، وليس من أجل أحدهم فقط. هل تفهمني! الروح تبحث عن روح أعظم، الروح ليست ملكاً لأحد. لماذا تتعجب؟ تظن أنني يمامة وديعة لا تنازعها الكوابيس مثلاً؟ إما أنك لم ترني أبداً أو أنني لم أكن أعرف أن تلك اليمامة التي عشَّشت في قلبي تطل بوداعة في وجه عابري السبيل، وأن هذا النمر الذي يسن مخالبه دوماً في أعصابي لا أحد يراه. كل ما أحتاجه هو أن أقطف حلماً من هذا العالم، وأزرعه في بستان يخصني وحدي، كل ما أحتاجه وتحتاجه أنت هو صمت لا يخدشه أنين الريح وسماء تجمع الأرواح بلا وجع، وذاكرة تطل من السماء بكبرياء إله، كل ما نحتاجه هو أن ننتشي في مساحة البوح على رغم غياب المعنى كما نهوى السير في الطرقات بلا هدى. لماذا غضبت؟ هل أعجبتك اللعبة إلى هذا الحد؟ أعرف أن الحارس حمى عينيك فقط، وأنه لم يملك حماية عمودك الفقري. أعي أنك لن تستطيع الرقص أبداً كما أنني لن أستطيع رؤية حركات المدرب، لذلك سنظل أنا وأنت وحارسك ومدرب الرقص هنا على تلك الطاولة، نخطط لرقصة تخصنا، أنا أرى وأنت تسمع. آفاق