يُعد ملف الاحتياجات البلدية على مستوى المناطق والمحافظات والمراكز الأكثر تداولاً بين الأهالي، حيث لم ترتق الخدمات إلى المستوى المطلوب، بل ولم تف بالحد الأدنى من الطموحات، وهذا اعتراف سبقتنا اليه وزارة الشؤون البلدية والقروية باعترافها بالقصور كمؤشر عن حالة رضا المواطن . ومن يأخذ جولة في بعض المدن والمحافظات سيُلاحظ أن كثيراً من الحدائق تئن من الإهمال، والمتنزهات باتت مفرغة من مسماها، كذلك تُعاني بعض الطُرق من كثرة الحفريات والتعبيد الرديء وغياب الصيانة، إلى جانب أن «السفلتة» أصبحت متروكة لأهواء المقاولين، والمفترض أن تتم وفق الحاجة وبطريقة حديثة لا تتطلب التجديد إلاّ لعشرة أعوام قادمة، ولكي نكون منصفين فإن جل المسؤولية تقع على التخطيط السليم والقراءة المستقبلية الواعية والبدء بسلم الأولويات، عبر مشروعات تبنى اليوم ليتم قطف ثمارها غداً، وليست مشروعات التدخل السريع وحالات الطوارئ أو قائمة الانتظار. تراجع مُقلق وقال "عبدالله بن سعد الزايدي" -باحث اجتماعي-: إن الأداء العام للعمل البلدي تراجع إلى حد مقلق لم يستطع معه اللحاق بالتطور العمراني والنمو السكاني المتسارع الذي خلف متطلبات اتسعت هوتها وعلى نطاق عريض على مستوى المناطق، وبصورة أكثر وضوحاً في المحافظات والمراكز والقرى التي تنتظر السنوات الطوال لاعتماد مخطط أو إضاءة شارع أو رصف طريق، يوازيها دون شك احتياج المدن لقراءة واقعية تفرض فتح ملف تعدد الطوابق والأدوار السكنية على مصراعيه، فضلاً عن قضايا العشوائيات الخانقة والتي تعد بؤرة يتجمع فيها غالباً المخالفون لأنظمة الإقامة، مضيفاً أنه منذ صدور تسمية أعضاء المجالس البلدية عام 1426ه وحتى اليوم لم نلمس تحسنا حقيقيا سوى مزيد من القصور المشوب بتذمر الأهالي من ضعف الخدمات وانعدامها أحياناً، وهو ما يؤكد أن المجالس لم تفعل حتى اليوم صلاحياتها التي نصت عليها الأنظمة وفي مقدمتها مراقبة سير أعمال البلدية والعمل على رفع كفاءتها وحسن أدائها للخدمات. حد أدنى وأوضح "عبدالغني القش" -مدير التعاون الدولي بالجامعة الإسلامية- أن الواقع يؤكد أن الخدمات البلدية لم ترتق إلى مستوى التطلعات، ولم تف بالحد الأدنى من الطموحات، فالحدائق تئن من السوء والإهمال، والمنتزهات باتت مفرغة من مسماها، فهي لا تجد العناية والاهتمام، وحيثما توجهت فإنك لا تجد مكاناً لائقاً يمكن أن تصطحب ضيوفك وزائريك إليه، أما عن الطرق فإن الحواجز الخرسانية هي سمتها طوال العام، والسالك لها يعاني من كثرة الحفريات والتعبيد الرديء، مضيفاً أنه اطلع مؤخراً على استبيان عجيب لإحدى الأمانات تستطلع من خلاله رأي المجتمع حول الطرق والتعبيد والترصيف والإنارة، مشيراً إلى أن توقيت هذه الاستبانة لم يكن متوافقاً مع واقع الحال، فالمفترض أن يتم توزيعها بعد أن تستكمل كافة المشروعات القائمة، وتكون السفلتة والترصيف في أوجها، وحينها يمكن استطلاع رأي المواطن، مؤكداً على أن طريقة رفع النفايات لازالت تقليدية، لذا يظهر العوار بمجرد توقف العمال ليوم أو يومين؛ فهم يرفعون النفايات بطرق بدائية، وغيابهم يظهر عيوب هذه الطريقة. ترصيف ومطبات وشدّد "القش" على أهمية النظر في الترصيف، فهو إما أن يتسع بلا حاجة، أو يضيق والحاجة تدعو إلى توسيعه، مبيناً أن ارتفاع الأرصفة لدينا لم يكن مدروساً، فأهالي الحي يتفاجؤون بترصيف الطرق لديهم، وربما أدى ذلك لإغلاق أبواب وإحداث أضرار، وتجدهم يجمعون على عدم الحاجة أصلا لهذه الأرصفة، ذاكراً أن توزيع المطبات بات حرية شخصية للأهالي، فكل شخص يمكن أن يعمل مطبا؛ لأنه يرى ذلك، لافتاً إلى أن الأمانة والمرور يعيشان حالة من الغياب وهي مثار الاندهاش؛ فالسيارات تتضرر لأن هذه المطبات الاصطناعية غير مقننة. وأضاف: "السفلتة" فيما يبدو متروكة لأهواء المقاولين، فأحياء يتم سفلتتها وبطريقة عجيبة، بحيث تتم في ظل وجود المركبات وبطريقة مضحكة، والمفترض أن تتم وفق الحاجة، وبطريقة حديثة لا تتطلب تجديد ذلك الإسفلت لعشرة أعوام قادمة، لكن القائم لا يوحي بذلك مطلقاً، ولذا تجد المقاول اليوم في حي وغداً في حي آخر دون استكمال ذلك الحي، وهذا واقع مشاهد لا يمكن إنكاره، ويمكن إثباته بشكل سريع، مبيناً أن المستنقعات التي تتكون بمجرد سقوط الأمطار هي وصمة سلبية، والمؤسف هو التعامل الوقتي معها، فمجرد تكون تلك المستنقعات تهب آليات الأمانة لرفعها وسحبها بالشفط أو غيره، وبعد ذلك تترك، ويعود المكان كما كان عند هطول الأمطار مرة أخرى، متمنياً أن تكون مشروعات الأمانة مرتبة حسب الأولويات. ثلاثة أقسام وأكد "د. محمد بن ناصر بن محمود" -رئيس المجلس البلدي في المدينة المنورة- على أن حاجات البلدية تنقسم إلى ثلاثة أقسام؛ الأولى حاجات ضرورية عاجلة تلامس حياة المواطن والمقيم والزائر بشكل يومي وطوال العام، وهذه يجب العمل بها على أتم وجه وبشكل عاجل دون أدنى تأخير أو تقصير مثل النظافة وصحة البيئة وسلامة الماء والغذاء، وكذلك الأرصفة و"السفلتة" وغيرها من الخدمات، مضيفاً أن الثانية هي حاجات ضرورية تطويرية تلامس حياة المواطن والمقيم بشكل غير يومي مثل التخطيط العمراني بشكل عام، كالشوارع الجديدة والملاعب والمتنزهات، وكذلك الحدائق والممشيات والأماكن الترفيهية وغيرها، مبيناً أن الثالثة هي خاصة بالمشروعات العملاقة ومنها مشروع التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي الشريف، ومشروع النقل العام، ومشروع قطار الحرمين ومشروع المطار الدولي الجديد، وكذلك مشروع مدينة الملك عبدالله للحجاج والعمار والزوار، حيث ان هذه المشروعات العملاقة تمثل تحدياً للقطاعات الحكومية والخاصة والخيرية، ويجب أن يتحمل كل قطاع مسؤوليته لمواكبتها، لافتاً إلى أن هناك بعض القطاعات تتعامل مع تلك المشروعات بطريقة روتينية، ولا تدرك حجم التحدي والنقلة الحضارية الهائلة التي ستحدثها على المدينة وسكانها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. استقبال الشكاوى وحول التواصل مع شكاوى المواطنين قال "ابن محمود": نستقبل الشكاوى من المواطنين بعدة طرق مثل الاتصال الهاتفي والفاكس والبريد الإلكتروني والموقع الإلكتروني، وقد جدولنا أخيراً الجلسات، وأصبح موضوع الجلسة معلوماً لدى المواطن قبلها بأسبوعين، مضيفاً أن الشكاوى التي تردنا على نوعين؛ منها من يعتبر المجلس البلدي جهة تعقيبية للضغط على الأمانة لتسريع معاملته، وهذا النوع لا نتعاطى معه تماماً؛ لأن الأصل أن الأمانة تؤدي دورها في خدمة المواطنين والمقيمين والزوّار، وتخدمهم وفق إجراءات محددة وخلال مدة زمنية تتناسب مع تلك الإجراءات، أمّا النوع الآخر من الشكاوى التي تردنا فهي تخص مجموعة من المواطنين في حي معين أو مشكلة عامة تمس عدداً كبيراً من المواطنين أو المقيمين أو الزوار، أو مشكلة تتعلق بتظلم المواطن من الأمانة في جانب معين مثل تأخر إنجاز المعاملات، أو عدم الرد عليها بطريقة مقنعة، أو ضعف بعض الخدمات البلدية، وهذا النوع من الشكاوى نتعاطى معه بطريقة حيادية، حيث نطلب الإفادة عن الموضوع من الأمانة ثم تُحال إلى اللجنة المختصة للبت فيه وفق الأنظمة والتعليمات، ومن ثم مخاطبة أمانة منطقة المدينة المنورة في ذلك. صلاحيات محدودة وحول تعثر المشروعات ذكر "ابن محمود" أن هناك بعض العقبات والمشاكل التي تتسبب في تعثر تلك المشروعات منها ما يتعلق بالأمانات، ومنها ما يتعلق بأطراف أخرى مثل وزارة المالية وغيرها، مؤكداً على أن نسبة التعثر ليست متدنية، وهذا لا يخص المشروعات البلدية والقروية فقط، بل يشمل مشروعات مختلف القطاعات الحكومية، مُشدداً على أن المجالس البلدية قدمت كثيراً من الإنجازات رغم أن صلاحياتها مازالت محدودة، مشيراً إلى أن القضية أكبر من قضية صلاحيات؛ لأن تجربة المجالس البلدية لم تنضج بعد، ولعل إعطاء صلاحيات أكبر لتلك المجالس يضر أكثر مما ينفع، لاختلاف الثقافات والعقليات. وأكد على أن جميع المواضيع التي تناقشها المجالس ينعكس أثرها على المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن هناك مواضيع تمس حياة المواطنين بشكل مباشر مثل سلامة الغذاء والماء، وكذلك التعامل مع النفايات بكافة أنواعها والإفادة منها، إلى جانب تصنيف المطاعم والمنتزهات العامة والأماكن الترفيهية والبيئة، إضافةً إلى تحسين التقاطعات المرورية، وضبط جودة المشروعات البلدية، وغيرها من المواضيع المجدولة. أساسيات مطلوبة وقال "سعد العنزي" -رئيس بلدية محافظة بدر-: إن احتياجات المحافظة كثيرة ومتنوعة ومنها مشروعات سفلتة وأرصفة وإنارة، وكذلك إنشاء حدائق وميادين عامة وكبار، إضافةً إلى ضرورة وجود عبّارات ومصدات سيول وتصريف مياه الأمطار وحفر آبار، إلى جانب أهمية وجود خزانات لتجميع المياه ومعدات بأنواعها -سيارات، مكابس، معدات ثقيلة-؛ وذلك لأن جميع المعدات الحالية متهالكة وقديمة، مضيفاً أن المخصصات المالية المعتمدة لا تفي بالجزء اليسير من الاحتياجات، حيث إن الميزانية هذا العام بلغت (22) مليون ريال منها (10) ملايين لتنفيذ كبري بأحد الأحياء بالمحافظة، والمتبقي من الميزانية موزع على مشروعات أخرى متنوعة بالمحافظة، وهذا دليل قاطع على أن الميزانية لا تفي بنسبة (5%)من الاحتياج العام للمحافظة، لافتاً إلى أن البلدية لم توفق بتأسيس جيد وجميع الأعمال المطلوبة حالياً تُعد أساسيات، وهذا يجعلها أحوج من غيرها مقارنة بالبلديات الأخرى، مع أن المحافظة تعاني من تضاريس متنوعة (جبلية، أودية، زحف رمال) لكبر نطاق المحافظة. مناطق عشوائية وحول تعثر المشروعات أكد "العنزي" على أنه يتم التعامل مع المقاولين وفق الأنظمة والتعليمات، إلاّ أن اشكالات عدم استعمال ووضوح الدراسات للمشروعات السابقة يعطي بعض المقاولين غير الملتزمين الفرصة للمماطلة والتحجج والاعتذار، وكذلك عدم تنفيذ بعض الأعمال، مبيناً أن جميع المقاولين المتأخرين تتخذ معهم البلدية جميع الإجراءات النظامية بحقهم، لافتاً إلى أن أبرز الشكاوى التي تصله من المواطنين تنحصر في تأخر التنظيم بالمناطق العشوائية بالمحافظة ذات الصكوك العشوائية، ونقص الخدمات بالمخططات من "سفلتة" وأرصفة وإنارة، وكذلك عدم وجود مخططات معتمدة كافية للمنح، ذاكراً أنه تم رسم صورة مستقبلية للمحافظة على النطاق البلدي إلاّ أن جملة من المعوقات تمنع تحقيقها وفي المقدمة نقص الاعتمادات المالية للبنود والمشروعات، وعدم وجود عقود للصيانة والزراعة ونقص العمالة، موضحاً أن ادارته اعتمدت خطة تهدف إلى تحسين المداخل وإنشاء الحدائق والميادين العامة، مستنيرةً بآراء ومقترحات أعضاء المجلس البلدي وذوي الخبرة من منسوبي البلدية والمواطنين. تخطيط سليم ورفض "د. حميد الأحمدي" -أكاديمي وباحث- الربط بين تدني المخصصات المالية وتراجع الأداء البلدي، مؤكداً على أن هذا التبرير يصطدم بالأرقام المهولة لميزانية وزارة الشؤون البلدية والقروية، مبيناً أن جل المسؤولية تقع على التخطيط السليم والقراءة المستقبلية الواعية والبدء بسلم الأولويات ومواكبة النمو المتزايد بمشروعات تبنى اليوم ليتم قطف ثمارها غداً، وليست مشروعات التدخل السريع وحالات الطوارئ أو قائمة الانتظار، موضحاً أن المشكلة الحقيقية تقع على كاهل البلديات، مشيراً إلى أن المجالس البلدية أدت دوراً يتناسب مع الصلاحيات المنوطة بها، مثمناً تذليلهم لبعض العقبات وإيصال صوت المواطن للمسؤول.