أقر مجلس الوزراء السعودي قبل أشهر قانوناً مهماً تحت عنوان الحماية من الإيذاء، هو الأول من نوعه في المملكة، يهدف إلى حماية النساء والأطفال والخادمات من العنف المنزلي، في خطوة تهدف إلى الحد من العنف ضد هذه الفئات الضعيفة. ووفقاً لمشروع القانون، المكون من 17 مادة، والذي أقر خلال اجتماع لمجلس الوزراء الاثنين 19 شوال 1434 هـ. الموافق 26 أغسطس 2013، يواجه المدانون بالإيذاء النفسي أو الجسدي عقوبة الحبس لمدة تصل إلى عام، ودفع غرامة تصل إلى 50 ألف ريال. وهذا القانون لم يمنع من العنف والإيذاء تجاه الخادمات، بوجه أخص، والذي تتعدد صوره ومظاهره، وتصل ببعض أرباب الأسر إلى حدّ ضرب الخادمة أو حَبْسها في المنزل، ناهيك عن التحرشات الجنسية المختلفة، إضافة إلى عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها. فقد أشارت دراسات متعددة إلى أن الضرب من قبل المخدوم، وعدم مراعاة إنسانية الخدم، تأتي في مقدمة المشاكل التي تواجهها الخادمات، وقالت دراسة اجتماعية رسمية إن ما يقارب على مليونين من خادمات المنازل في دول الخليج العربية يمارسن أعمالهن دون غطاء قانوني، ويواجهن مشكلات متعددة في مقدمتها سوء المعاملة والانتهاكات الجنسية. فقبل أيام تعرضت خادمة فلبينية لمعاملة شديدة القسوة على يد مخدومتها السعودية، عن طريق إلقاء الماء المغلي على وجهها، حيث أصيبت بحروق بالغة في الساقين والظهر، بعد تعدي صاحبة المنزل عليها. والمؤسف أن الخادمة نفسها تعرضت للضرب، بعد 5 أيام من وصولها إلى المستشفى من قبل ابن صاحبة المنزل، حتى تسحب بلاغها ضدهم. وهذا العنف في جانب منه يولد عنفاً مضاداً من قبل العمالة المنزلية تجاه المخدومين، فالعنف متعدد الأشكال والألوان يتولَّد عنه الرغبة في الانتقام، فإن لم تستطع الخادمة ذلك فقد يدفعها تزايد الضغط عليها إلى الانتحار الذي يورّط بعض الأسر في مشاكل قانونية بالغة التعقيد. ولك أن تقارن بين الأنموذج الذي عرضناه آنفا، من عنف ضد بعض العمالة، وما تعرض له أربعة أفراد من عائلة واحدة للحرق بالزيت المغلي الجمعة الماضية، بعدما اعتدت عليهم خادمة إثيوبية، مما تسبب في حروق من الدرجة الأولى والثانية للزوج والزوجة وابنين (شاب وفتاة). ونحن هنا لا نبرر ذلك العنف من قبل العمالة المنزلية، ولكن حسبنا أن نشير إلى عدة نقاط رئيسة بين يدي هذا الموضوع: أولاً: أن القانون بمفرده غير قادر على وقف العنف والعنف المضاد، بل قد يساهم فيما يمكن أن نسميه ظاهرة العنف الخفي، من قبل بعض الأسر على العمالة المنزلية، أي العنف الذي لا يصل للسلطات، ومن ثم فإننا بحاجة إلى معالجة شاملة، تضيف الجانب الإنساني وتركز على قيمة المعاملة الحسنة للعمالة، من الناحية الدينية والاجتماعية. ثانياً: أن العنف الذي يمارس من قبل الأسرة على الخادمة، قد يكون أحد أهم الأسباب التي تدفع الخدم إلى ارتكاب جرائهم تجاه كل أفراد الأسرة، وليس فقط من تسبب في هذا الإيذاء، ويأتي الأبناء في مقدمة من يصيبه ذلك الأذى، لأنهم من الطبقات الضعيفة التي يسهل على العمالة إيذاؤها. ثالثا: في إطار المعالجة الشاملة، نحن بحاجة إلى تدخل وعلاج نفسي، للطرفين، الخادمة، التي تبتعد عن أهلها ووطنها، وأبنائها، وتتعرض لضغوط عمل قاسية، قد يدفعها في لحظة فارقة لممارسة العنف، والطرف الآخر المخدوم، الذي يجب أن تغل يده، بالطرق العلاجية، وليس بالقانون وحده، عن ممارسة العنف، الذي قد يكون هو أو أحد أفراد أسرته ضحية له.