واشنطن - تقول والدتي إنني موجودة الآن على قيد الحياة بسبب «مسيرة واشنطن»، مضيفة أنها كانت في عام 1963 طالبة بمعهد غودارد التجريبي بولاية فيرمونت، وكان والدي قد التحق بالمعهد في السنة السابقة. وعلى الرغم من أن أمي قد رأت والدي للمرة الأولى وهو يرمي البازلاء في قاعة الطعام (ويبدو أن هذه سمة موروثة في العائلة)، فإنها لم تقابله، على حد قولها، إلا يوم «مسيرة واشنطن» قبل 50 عاما من الآن، عندما قام طلاب معهد غودارد الذين كانوا قد وصلوا، كل على حدة، لتنفيذ خطة سخيفة للاجتماع بالقرب من نصب واشنطن. وللأسف، لم يكن والدي يتذكر تلك الرواية عندما سألته عن ذلك الأسبوع الماضي. وتوفيت والدتي قبل خمس سنوات، ولذا لن أتمكن أبدا من معرفة ما إذا كانت روايتها زائفة أم أصابها بعض التحريف بسبب ما يحدث لعقول كبار السن الذين تجاوزا عامهم الستين! ربما لا يكون ذلك مهما، فسواء كان هذا هو أول لقاء بينهما أم لا، فإن الشيء المؤكد هو أن والداي، اللذين كانا في عامهما العشرين آنذاك، كانا مشاركين في الحدث الأبرز لجيلهما. «لا أزال أرى هذا المشهد»، كانت هذه هي كلمات والدي وهو يتذكر موقعه على طول الجانب الجنوبي من حوض السباحة الذي كان يمكنه من خلاله رؤية المتحدثين في نصب لينكولن التذكاري وسماع الخطب بكل بوضوح. وأضاف والدي: «عندما يتحدث الناس عن مارتن لوثر كينغ، أشعر بأنهم يتحدثون عني أيضا، حتى وإن كانت هذه الصلة بعيدة - دون مصافحة أو أي شيء - ولكني فخور بأنني كنت هناك». وفي الحقيقة، أنا أحسده على علاقته بالقضية التي أثرت في كثير من الأميركيين والتي حددت مصير جيل كامل. ولا يملك جيلي ما يعادل ذلك الحدث الكبير. لقد ولدت بعد مسيرة واشنطن بخمس سنوات وبعد اغتيال كينغ بثلاثة أسابيع. وأخبرتني والدتي أنها كانت تتساءل في تلك الأيام القاتمة، وبالتحديد في شهر أبريل (نيسان) 1968، عما إذا كانت قد فعلت الشيء الصواب عندما جلبت طفل إلى هذا العالم أم لا. لقد نشأت على أخبار الفنانة والمناضلة الأميركية جوان بايز وفرقة «ثلاثي كينغستون» الموسيقية. وكنت أعلق ملصقا في غرفة نومي مكتوبا عليه: «الحرب ليست صحية للأطفال والكائنات الحية الأخرى». وأول شيء أتذكره في عالم السياسة يتعلق بحملة جورج ماكغفرن ومقاطعة «نستلة» لمنع الحليب عن الأطفال في البلدان الفقيرة. ومع ذلك، كانت هذه هي ثقافة والديّ وليست ثقافتي أنا. هناك بالطبع العديد من القضايا النبيلة في جيلي (الكفاح ضد الفصل العنصري، والدفاع عن حقوق مثلي الجنس، وحماية البيئة) ولكن لم يقدم جيلي أية تضحيات من أجل الحقوق المدنية. وتحدث جون ماكين، في حملته للترشح للرئاسة، عن أهمية وجود «قضية أكبر من المصلحة الشخصية». ويدرك ماكين، الذي اعتقل من قبل ورفض عرض آسريه الفيتناميين بإطلاق سراحه لتجنب إعطائهم قيمة دعاية.. يدرك ذلك جيدا. ولكن ماذا عن هؤلاء الذين ولدوا بعد عام 1955، ممن بلغوا سن الثامنة عشرة بعد أن تم تعليق مخطط حرب فيتنام؟ للمرة الأولى على مدى عقود - ربما للمرة الأولى في التاريخ - وصل الأميركيون إلى سن الرشد من دون تهديد وجودي للأمة ومن دون اضطراب اجتماعي ضخم على أرض الوطن. بالنسبة لنا، كانت الحرب الباردة في مراحلها الأخيرة مجرد تهديد نظري، وأثارت ملاجئ الغارات الأثرية في المدارس الفضول. حينما كنا مستعدين للتضحية من أجل الدولة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، طلب منا الرئيس بوش أن نذهب للتسوق. نشأنا وديعين: لا تواجهنا تهديدات أو تحديات وليس لدينا مصدر إلهام. افتقرنا إلى قضية أكبر من ذاتنا. كانت التأثيرات على سياساتنا عميقة. من دون أي مفهوم للقتال الفعلي أو الأزمة، يتعامل فريق جديد من القادة - تيد كروز وراند بول وبول ريان وسارة بالين - مع الحكم بوصفه معركة حتى الموت، من دون احتمال للتفاوض على السلام. ومن دون معركة اجتماعية سامية تطالبنا بالسعي لتحقيق العدالة بصفتنا أميركيين، يستعيضون عن القضايا الحزبية (إلغاء مشروع «أوباما كير»! كفاهم ما يفرض عليهم من ضرائب) أو الأزمات المصطنعة حول سقف الديون وتعطيل الحكومة. وعلى الرغم من أن المشكلة معلنة بصورة أكبر من جانب اليمين اليوم، فإن اتجاه الجيل حيادي غير متحيز لحزب بعينه. يملك الرئيس أوباما مواهب استثنائية، ولكنه لا يظهر قدرته على توحيد الأمة على هدف مشترك أو تخصيص طاقة مستدامة لقضية أعظم من قضيته. بالطبع، هناك قادة شباب يعملون في العاصمة، ممن هم مثقفون كهؤلاء من أي جيل سابق، كما يوجد محاربون متطوعون يقاتلون من أجل أميركا بدرجة شجاعة أي مجند إلزامي. ولكن في المجمل، يهدر جيلي، الذي لم تختبره تجربة حقيقية، العظمة الأميركية بتحويل عملية الأخذ والعطاء المعتادة إلى حرب. وصف توم بروكاو، على نحو مبرر، الفريق الذي نجا من الكساد العظيم وشارك في الحرب العالمية الثانية بأنه «أعظم جيل». أخشى أن يشار إلى جيلي يوما ما بأنه «أضعف جيل». * خدمة «واشنطن بوست»