يقود المجتمع تياران. تيار اتصف بالنظرة الليبرالية، وتيار اتصف بالنظرة المحافظة والممانعة. عندما أقول قولي هذا سيفهم الحصيف ما أرمي اليه. كلا التيارين يحتاج إلى تفحص ودراسة ولن ننتهي بتعريف دقيق للوصفين. لا يوجد نقاء على مستوى الطرفين. ولكن ثمة من يرغب في التغيير وآخر يريد التريث أو التعطيل. يقع بينهما تيارات تتقلب حسب الشيء المراد المساس به. لكن السؤال من هو المجتمع، هل هو الشعب نفسه؟ لماذا نقول المجتمع ولا نقول الشعب إذاً. الشعب يمكن تحديده بسهولة. الشعب الإماراتي هو مجموعة من البشر يحملون الجنسية الإماراتية. الشعب السعودي هو مجموعة من البشر يحملون الجنسية السعودية وهكذا. من الواضح أن المجتمع شيء ما يقع داخل هذا الشيء الأكبر الذي نسميه شعبا وليس كله. لا اريد أن اخوض في علم الاجتماع.. من يريد أن يعرف عليه أن يستشير قوقل. سأقف عند الاستخدام السجالي لهذا المصطلح. اعتاد الحزب المحافظ على ترديد أن المجتمع يرفض كذا ولا يقبل هذا، ونسمع من يردد بكل ثقة أن الليبراليين قلة في المجتمع. نأتي عند صميم العملية "القلة" هل الحقوق تزداد مع ازدياد عدد البشر وتقل مع تناقصهم؟ إذا افترضنا أن في بلد ما طائفة يبلغ تعدادها مليون نسمة، وطائفة أخرى يبلغ تعدادها مليونين، وثالثة سبعة ملايين هل تتوزع الحقوق الإنسانية والحقوق الاقتصادية وفقا لعدد كل طائفة؟ هؤلاء يحق لهم التعبير عن آرائهم بهذا المقدار. والأقلية يبقى حقهم في التعبير عند حدود عددهم وربما تنتقص حقوقهم الاقتصادية والقانونية باعتبار أنهم اقلية. هؤلاء الذين يتحدثون عن الأقلية ويعيرون خصومهم بها من الواضح أنهم لا يدركون ما تعنيه الأقلية والأكثرية. يسمعون في انتخابات الدول الديمقراطية عن حزب الأقلية وحزب الأكثرية، وقرروا الاستفادة من الديمقراطية لإرساء نظرتهم الاقصائية. ومثلما نعاني من الاستخدام الخاطئ للتقنية والجهل بأسسها القانونية (قيادة السيارة كمثال)، نعاني من جهل أكثر واشد في المفاهيم الإنسانية. السيارة منتج من اهم المنتجات الإنسانية إلا أن داعش تستخدمها في القتل والبحث عن الضحايا. يبدو أن أصحاب نظرية (الليبراليين قلة) قرروا الاستفادة من الديوقراطية كما استفادت داعش من السيارة. لا يدركون أن الديمقراطية هي عكس توقهم وأهدافهم. لم تقم على الإقصاء بل قامت وتطورت لضمان الحقوق وعدالة توزيع المكاسب الوطنية على المجتمع بأطيافه المختلفة (لا تميز بين الإنسان حسب دينه أو لونه أو أفكاره). الأحزاب في الدول الديمقراطية يُجمعون على الحقوق والأسس التي تحفظ حق وكرامة الإنسان وحقه في التعبير والعبادة، ولكنهم يختلفون في مسألة إدارة البلد عند هذه الحدود ينقسمون إلى اقلية وأكثرية. في الهند على سبيل المثال المسلمون أقلية. إذا اعتمدنا على قاعدة الإخوة المطالبين بإنتقاص الأقلية حقوقها يفترض أن تخفض حقوق المسلمين التشريعية في الهند، وتمنع عنهم المناصب الرفيعة، وتنتقص حقوقهم الاقتصادية ولا يجوز لهم الجهر بعباداتهم امتثالا لرغبة الأكثرية. إذا كان الأمر كذلك فلمَ الديمقراطية أصلا، ولمَ الحديث عن اقلية وأكثرية؟ يستولي الأغلبية على البرلمان مع اول عملية تصويت ليمكثوا فيه إلى الأبد. تذكرنا نغمة (الليبراليين اقلية) بما اعلنته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في التسعينيات وكما خطط الإخوان في مصر، وكما أنجز الخميني في إيران. الحقوق لنا والمشانق تنتظر الآخرين. ملة الإقصاء واحدة.. A4BAKEET@HOTMAIL.COM لمراسلة الكاتب: abakeet@alriyadh.net