×
محافظة المنطقة الشرقية

سليماني يُعزي أسرة زعيم الشبيحة المقتول «هلال الأسد»

صورة الخبر

كثيرة هي الكتب التي تناولت السيرة الذاتية للزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي الذي يعتبر أحد أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الحديث، لكن كتاب المؤرخ الهندي راماشاندرا جحا الصادرة طبعته الأمريكية قبل بضعة أيام تحت عنوان «غاندي قبل الهند» يتميز عما سبقه من كتب حول غاندي في أنه الكتاب الوحيد الذي يتناول بالتفصيل حقبة العشرين عامًا التي قضاها في جنوب إفريقيا وساهمت بشكل كبير في بلورة شخصيته القيادية وفي صياغة نظريته في المقاومة السلبية والعصيان المدني، وهو ما من شأنه أن يغير بشكل جذري فهمنا وتقديرنا لأعظم رجل شهدته الهند في القرن العشرين. كما يتميز الكتاب باستعانة مؤلفه بالعديد من الوثائق التي لم يتطرق إليها الباحثون من قبل، شاملًا ذلك أوراقًا خاصة من معاصري غاندي والعاملين معه، والصحف الصادرة في حينه، ووثائق المحكمة، وملفات سرية في حوزة الإمبراطورية البريطانية. ينطوي تناول السيرة الذاتية لغاندي من زاوية جديدة في هذا الوقت بالذات على أهمية خاصة لاسيما وأنه يتزامن مع التحول السياسي الذي تشهده الهند إثر الفوز الساحق الذي حققه نارندرا مودي زعيم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي بفوزه بغالبية مريحة في البرلمان وما حمله هذا الفوز من مخاوف لمسلمي الهند البالغ عددهم 180 مليون نسمة بما يطرح السؤال: هل ما زالت الهند تقع تحت تأثير تراث غاندي (السلمي) الذي ينبذ العنف؟ إضاءة عامة يسلط هذا الكتاب - الذي تم اختياره من قبل صحف واشنطن بوست، وول ستريت جورنال، وسان فرانسيسكو كرونيكل وغيرها كتاب العام - بفصوله الـ 22 وصفحاته التي تربو على 600 صفحة الضوء على غاندي منذ مولده في أكتوبر 1869 حتى مغادرته جنوب إفريقيا في يوليو 1914، حيث أمضى فترة وجوده هناك في ممارسة المحاماة وكناشط سياسي بما عرضه للاعتقال ثلاث مرات . وهو أمضى فترة وجوده في جنوب إفريقيا بواقع 10 سنوات في ناتال و10 مثلها في ترانسفال. وكانت ناتال الواقعة على الساحل تحت سيطرة الإنجليز حيث كان اقتصادها يعتمد أساسًا على السكر والفخم. لكن ترانسفال كانت في الداخل، وكانت تحكم من قبل البوير عندما بدأ اقتصادها يزدهر على إثر اكتشاف الذهب. ويرى جحا أن غاندي يدين في فهمه المعنى الحقيقي للاستعمار وللتفرقة العنصرية لفترة وجوده في جنوب إفريقيا. البدايات يقول المؤلف إن غاندي نشأ في أسرة متوسطة الطبقة في كوجارات الغارقة في عالمها الخاص المليء بالطقوس والتقاليد الهندوسية، وكان يمكن أن يواجه نفس مصير غالبية أهل القرية بأن يعيش ويعمل ويموت في مسقط رأسه لولا أنه قرر الارتحال أولًا إلى بريطانا لمدة عامين، ثم لجنوب إفريقيا لمدة عقدين قبل أن يعود إلى الهند عام 1915. ويلاحظ المؤلف أن غاندي لم تكن له أي اهتمامات سياسية خلال إقامته في بريطانيا، وأن الدين والطعام الصحي احتلا اهتمامه الأكبر خارج إطار دراسته للقانون مضيفًا أن هذه الأعوام الـ 22 انتزعته من الأجواء الانعزالية التقليدية المحافظة التي كانت تخيم على قريته إلى عالم أكثر حركة وحيوية. فقد كانت جنوب إفريقيا في نهاية القرن التاسع عشر تشهد نموًا متزايدًا بعد اكتشاف أكبر منجم للذهب جعل ترانسفال الأغنى في المنطقة، وجعل منها أيضًا منطقة جذب للأوروبيين والآسيويين وحافزًا للبريطانيين للسيطرة الكاملة على البلاد. وتحولت جوهانسبرج التي أقام فيها غاندي عشر سنوات من مركز لمواد التعدين الخام في بلدة نائية اشتهرت بالسكر والفجور والقمار إلى بلدة مزدهرة. وقد بدأ المحامي الشاب موهنداس غاندي مرحلة جديدة في حياته عندما أبحر من بلاده إلى دربان (عام 1893) التي تعتبر الميناء الرئيس في المستعمرة البريطانية ناتال في جنوب إفريقيا. وكان قد أمضى لتوه عامان في دراسة القانون في بريطانيا عندما قبل الترافع في قضية نزاع تجاري بين تاجرين مسلمين في جنوب إفريقيا. وعندما قبل المهمة وبدأ رحلته إلى هذا البلد الإفريقي الذي كان في طور النهوض توقع ألا تستغرق هذه المهمة أكثر من عام، لكنها امتدت إلى عقدين كاملين. كان غاندي البالغ عمره 24 عامًا في ذلك الوقت يؤمن بسيادة العدالة والمؤسسات البريطانية ويشعر بالولاء التام للإمبراطورية البريطانية، لكن ذلك لم يستمر طويلًا بعد أن أمضى فترة قصيرة من إقامته في جنوب إفريقيا عندما صدم بالكثير من مظاهر التفرقة العنصرية التي كان يمارسها الإنجليز في تلك البلاد. يقول جحا إن شخصية غاندي كناشط سياسي ومصلح اجتماعي ورائد في مجال العصيان المدني وزعيم محبوب من شعبه تبلورت بشكل كبير من خلال تجربته التي عاشها في جنوب إفريقيا قبل أن يصبح زعيمًا للهند. ويقتبس جحا في مستهل كتابه بعضًا من كلمات غاندي المقتطفة من سيرته الذاتية (قصة تجاربي مع الحقيقة): «أصبحت أفهم اليوم بشكل أكثر وضوحًا ما سبق وأن السيرة الذاتية لا تكفي وحدها لكتابة التاريخ، وأعترف بأنني لم أضع في هذه القصة كل ما أتذكره لاسيما وأنه ليس بوسع أحد أن يملي عليَّ كم يتعين علي أن أعطي وكم يمكن أن أخفي بحيث تأتي المحصلة لمصلحة الحقيقة». الصدمات الأولى في أول رحلة له في القطار، حاول غاندي ركوب القطار من دوربان إلى جوهانسبرج بعد أن اشترى تذكرة بالدرجة الأولى، لكنه منع من ذلك وطلب منه التوجه إلى عربات الدرجة الثالثة، وعندما رفض الامتثال إلى هذا الأمر أجبر على النزول من القطار من قبل الشرطة التي اقتادته إلى غرفة الانتظار في محطة القطارات حيث أمضى الليل يرتعد من شدة البرد في غرفة مظلمة بدون تدفئة. في اليوم التالي بعد وصوله جوهانسبرج تلقى الصدمة الثانية برفض استقباله في الفندق . وفي الرحلة من جوهانسبرج إلى بريتوريا رفضت أيضًا تذكرة الدرجة الأولى التي اشتراها واضطر إلى الجلوس في عربة الدرجة الثالثة. لكن، وبالرغم من ذلك، ظل غاندي يبدي ولاءه للإنجليز، فعندما نشبت الحرب بين بريطانيا وترانسفال عام 1898 عندما قررت بريطانيا السيطرة على مناجم الذهب، بادر غاندي إلى تنظيم حملة لدعم الجيش البريطاني. وتكرر ذلك مرة أخرى في زولولاند، وهو ما جعل بريطانيا تمنحه رتبة عسكرية (شرفية). ويبدي جحا اندهاشه مرة أخرى وهو يتحدث عن علاقات غاندي خلال وجوده في جنوب إفريقيا من خلال الملاحظة بأن غالبية أصدقائه لم يكونوا من الأفارقة السود، وإنما من المسيحيين البيض واليهود. لكن يبدو أن تنامي تيار التفرقة العنصرية في البلاد التي استهدفت الهنود إلى جانب السود وتنامت بشكل كبير بعد سيطرة الإنجليز على ترانسفال دفعت غاندي في التفكير في أسلوب للمقاومة يبتعد عن العنف، وذلك تحت شعار «الاعتقال أفضل من الإهانة» ورغم أن حملات الاحتجاج التي قادها في سنواته الأخيرة في جنوب إفريقيا لم تحرز النجاح المؤمل، إلا أن الأهالي استخدموا أسلوبه فيما بعد لمناهضة نظام الأبارتاهيد العنصري، كما أنه أدرك منذ ذلك الحين أنه تقع على عاتقه مسؤولية توحيد الهند كلها بعيدًا عن الاختلاف في الدين والمستوى الاجتماعي والمعيشي. ويمكن القول في نهاية المطاف إن شخصية غاندي القيادية وأسلوبه في المقاومة السلمية تشكلت من خبرته في جنوب إفريقيا، وإن مكوثه هناك تلك الفترة الطويلة منحه الرؤية والأدوات التي استخدمها بعد عودته إلى الهند في النضال من أجل استقلالها.