هذه الشريعةُ الخاتِمة مبنيةٌ كلُّها على جلب المصالح ودرء المفاسد ، ومن كلياتها وضرورياتها الخمس الكبرى(حفظ النفس ) ولذلك شرّعت القصاص من الجاني المعتدي على هذه الكُلية العظيمة ،وجعلت في القصاصِ حياة للمجتمع والناس(ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب) والخطاب موجّه للعقلاء أهل التدّبر! ففي تشريع القصاص حماية للنفس الأمّارة بالسوء منْ أن يستزلها الشيطانُ والطغيان فتقدم على هذا الجُرمْ،بل ستُفكِّرَ ألفَ مرةٍ؛ قبل أن تتجرأَ على هذا الفعلِ الشنيع إذا علمتْ أن النفسَ بالنفس والجروحَ قصاص!وحماية للمجتمع من العدوان والعبث. لذلك فإن إقامةِ الحدودِ والعناية بها من أعظم مهام وواجبات ولاة الأمر والقضاة ،والمصلحةُ المُتحققة من إقامة الحدود وبركة تطبيقها عظيمةٌ جداً، وقد جاء في الحديث عند ابن ماجة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم(إقامةُ حدٍ من حدودِ الله خيرٌ من مطرِ أربعين ليلة ) وحسبُك مع هذا؛ وصفُ القرآنِ للقصاص بأنه (حياة!!) ومع تشريع القصاص شُرِّع العفو عن الدماء والجُناة ،والعفو أجره عظيمٌ جداً! وقد شُرِّعَ العفوُ تخفيفاً من ربنا ورحمة،فقد ورد في الحديث أن بني إسرائيل كُتب عليهم القصاص فقط ،وخفَّفَ اللهُ عن هذه الأمة بالعفو قال الله: (ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة ) والأصل في العفو أنه لوجه الله (فمنْ عفى وأصلح فأجرهُ على الله) وقد جعل الشرع العفو سبيلاً لحقن دم الجاني وندبَ أولياء الدم للعفو وبيّن فضله وأجره حتى يوفقهم ويهديهم إليه ليفوزوا بالأجر العظيم ،ودية القتل العمد هي الدية المغلظة وهي لا تزيد كثيراً عن دية القتل الخطأ! ولكن الواقع اليوم واقع مؤلم من ناحيتين : أولاً: تجرؤ البعض على الدماء وإزهاق النفس المعصومة في لحظة غضبٍ وطيش ولأتفه سبب! ثانياً : تعامُل أهل الجاني مع هذا المعتدي الجاني!! فتجدُ أن بعض القبائل والأسر تنظر لهذا الأمر بعيداً عن مقاصد الشرع وأحكامه! فيغلبُ على تفكيرهم وتصرفاتهم العصبيةُ والنعرةُ القبلية،حتى أن جُرم إزهاق النفس لايعنيهم؛ بقدْرِ ما يعنيهم ويُحْرجُهُم بقاء قريبهم في السجن! وأنه من العيب أن لا يجتهدُوا ويجاهدوا في إخراجه!مهما كانت طبيعةُ وتفاصيل فِعلتِهِ وجرمه! فتنصُب في الغالب ــ من أجل هذا الغرض ــ المخيمات وتُشد الرحال وتقام الحفلات والضيافات وكأن الأمر لايتعلق بإزهاق نفس!ويكون بعد ذلك جمع الملايين مصدر فخرٍ ووجاهةٍ للقبيلة ! وفي المقابل يبتعدُ أولياء الدم عن مقاصد الشرع في العفو وتشريعه ،ويناقضون قولهَ تعالى في بيان سـرِ العفو وهدفهِ :( تخفيفٌ من ربكم ورحمة) فيحولونه بطمعهم وبتحريض سعاة أو تجّار الدماء إلى عنتٍ وتعسف ،وبين الفئتين (أهل الجاني وأولياء الدم ) تضيع قيمة( العفو) ويُفرّغ من معانيه، وينقلب إلى تجارةٍ وتكسب ومباهاة ومفاخرة من الفئتين ، الأولى يقال لها كم طلبتم؟ والأخرى يقالُ لهم : كم جمعتم؟! وكم نقرأ ونسمع عن واقعٍ بعيد عن مقاصد الشرع ،يفتخر فيها فئامٌ من الناس أنهم جمعوا من الملايين كذا وكذا! في مباهاةٍ تخالفُ الشرعَ والمقاصدَ التي أرادها الله ! وإني أُهيب بالجهات المعنية بالفتوى وغيرها من جهاتٍ رسمية أن تتدخل لوقف هذا العبث ، حتى تعودُ للحدود هيبتها في نفوس الناس من جهة، وحتى يخف هذا التعنت والمبالغة في طلب الديات من جهةٍ ثانية،وحتى لايكون السعي في فكاك الرقاب مصدر مباهاة ويتحول من المعنى الشرعي إلى القبلي! fhdg1423@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (67) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain