يعيش المسلم في هذه الدنيا بين متناقضات، أو منغِّصات أو مكدرات، يعيش يبحث عن الأمل، ولولا فسحة الأمل لتوقفت الحياة! ولا يعلمُ المسكين أن اللهَ خلقه في كبد. وحرفُ (في) يُشعرُ بتلك المساحة من التداخل بين الحياة والكبد! ولكن المسلم بطبعهِ يجنحُ أو- هكذا ينبغي أن يكون- إلى التفاؤل في أمره كله، متأسيًا بنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كان يحبُ الفأل الحسن ويدعو إليه! ينطلقُ المسلمُ البصيرُ بدينهِ العالمُ بربِّهِ من سُنَنٍ وقواعدَ قُرآنيةٍ ونبوية صادقة، لا تكذبُ ولا تخدعُ ولا تتًخلفُ، يجد فيها المسلمُ الراحةَ والسكينة والبصيرة التي تعينه حتى يرى الحق حقًا والباطلَ باطلًا. ومن ذلك أن أمرَ المؤمن كلَّه خير في السراء والضراء، فهو بين الشكر والصبر وفي كلٍّ خير كما صح الخبر، وفي هذا أعظم تسلية للمؤمن! ومن ذلك أن اللهَ تعالى من سُننِه التي لا تتخلف سنة الابتلاء، فهو يبتلي ليُمحِّصَ ويُمحص ليَميزَ الخبيث من الطيب، فلولا الابتلاء والفتن ما تميز الصادقُ من الكاذب والحق من الباطل، ومن نتائج -عدم التمييز- أن يعيشَ المجتمعُ في عمايةٍ وغبشِ، ويكثرُ المُدعون الأفاكون! يقول الحق تبارك تعالى: (ما كان الله ليذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيثَ من الطيب..) ولأن حكمةَ الابتلاء قدْ تخفى وقد يضيق صدر المؤمن عندما يرى ظواهرَ الأمور على غير ما يُحبُ، نبَّهه اللهُ في الآيةِ نفسها أن هناك غيبًا وحكمًا لا يعلمها إلا هو، فلا يتعجل ولا ييأس (وما كان اللهُ ليطلعكم على الغيب..). إذًا: هناك ابتلاء قد يحدث وقد ينتجُ عنه ظلمٌ وعدوان، ولا يعني ذلك أبدًا انتصار الباطل وسلامة منهج الغالب، وقد يتأخر النصر ومجيء الحق وزهوق الباطل لحكمٍ عظيمة! منها والله أعلم: التمييز والتمحيص حتى يُخرجُ كلُّ واحدٍ من أهل المشهد ما عنده من خيرٍ أو شر، ويظهر كل ما تُكّنهُ الصدور، فإذا جاء وعدُ ربك، جاء والناسُ على بينةٍ من أمرهم، وقد تميّزت المواقف والأدوار، وقطع اللهُ العذر واستوفى إقامة الحجة!! ومن تلكم السنن، سنةُ الإملاء والإمهال، فالله لحكمةٍ يعلمها قد يُملي ويُهلُ أهلَ الظلم والبغي، فقد صحّ في الحديث: (إنّ الله ليُملي للظالم حتى أخذه لم يُفلته) قال أبوموسى رضي الله عنه- راوي الحديث- واقرأوا قوله تعالى: (وكذلك أخذُ ربك إذا أخذَ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).. والآية تُشير إلى وصفٍ عظيم هو مناط وقوع هذا العقاب وهو (أنها ظالمة)، فالظلم يستوجب عقاب الله وهلاك الأمم وسقوط الأنظمة الظالمة لأنفسها ولشعوبها (فكلًا أخذنا بذنبه)!! وبعضهم يظن أن الإمهالَ دالٌ على سلامة العمل، وأنه لن يَقدرَ عليه أحد! ولكن سنة الله تقتضي أن الأخذ قد يتأخر حتى يصل الأمر إلى حد الطغيان الظاهر لكل أحد (فأكثروا فيها الفساد فصّبَّ عليهم ربُكَ ســوطَ عذاب إن ربك لبالمرصاد). إن في القرآن تبيانًا لكل شيء، وفيه هدى وشفاء للمؤمنين وراحة للمستضعفين والمقهورين، وقد حكى الله فيه صنوفًا وأنواعًا من الأحداث وأحوال الأمم العادلة والظالمة ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقد أمرنا الله عند الحديث والنقد سواء للأشخاص أو الجماعات أن نتحرى العدل في القول ولا ننتقد إلا بعلم وبصيرة (ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردًا جميلا، واحفظ علينا أمننا واستقرارنا. fhdg1423@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (67) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain