ما من أمر يُبني على نظام، وتُتبع بنوده في مسالك الخاضعين له إلا ينجح.., لأن النظام جزء من قانون عدل يخضع له كل الأفراد بما فيهم الأبناء في المنزل, والطلاب في المدرسة.. في التربية الصحيحة هناك نظام في العلاقات الأسرية, ولا أمتن من نظام الأسرة العربية، فكل فرد فيها كان لا يحيد عن دوره، ولا يتخلى عن ضوابط العلاقات فيها.. إلا ما تداخل بفعل طبيعة البشر حين يغلِّبون في الذات أوامرها، ويمرقون عن جادة العلاقات بفعلها, وتأثيرها..!! ولأن الضوابط في نظام الأسر قد انفرطت.., وجدنا الخلل الذي اعترى علاقات أفراد الأسر ببعضهم.., وقد لحق بذلك ما كانت ترتبط به الأسر من وشيج الصلة بالجيران, فالقربى، فالناس جميعهم..!! تشتت الناس، وتحلل رابط النظام بينهم، وتداخلت المفاهيم لديهم, وانقلبت الأضابير بما فيها من سطور.. وما تحتويه عنها الصدور في الشأن الفردي داخل الأسرة، والأسرة في المجتمع..!! لم يعد للأبوية ذلك التقدير، ولا للكبير ذلك التوقير, ولا للصغير تلك الرحمة, ولا للوشائج ذلك الاعتبار, ولا للجيرة تلك الوشائج..!! تخطى الانفلات في انفراطه إلى داخل أسوار المدارس بين الطالب ومعلمه.., ومؤسسات العمل بين المرء ونظيره، ومديره,.. كذلك انتقلت عدوى السباق للمكاسب الخاصة في المجتمعات الأخرى للأفراد على حساب القيم، والأخلاق..فوجدنا العاق, والجاحد, والمعتدي, والظالم, والسارق, والمجاهر, والأناني, والمنعزل, والذاتي, والمتكسب، وقاطع الرحم,.. وانتشر فسادٌ من نوع طارئ على مجتمع له قيم بات ينظر إليها الكثير على أنها حجر عثرة دون غاياته, وإلى مبادئ تزعزعت مع الإقبال على زخرف الدنيا.., وعلو مؤشر الذات عن أي صفات..! والمرئي في الواقع أن النظام الأسري يكاد أن يُقضى عليه في ضوء العزلة الفردية, والاعتقاد بالحرية الشخصية, وبالخصوصية الذاتية على الرغم من أن نظام الأسرة العربية يكفل لكل فرد دوره, ومكانته في سلم الترتيب العلائقي مع الحفاظ على حقوقه دون المساس بجُدر بنائها..! آمل ألا يأتي يومٌ ولا يعلم أحدٌ في الأسرة من سافر أو عاد من أفرادها، ولا ما الذي يحتويه إناء الطعام في براد المطبخ.., ولا من يرقد مريضاً يتأوه في الحجرة المجاورة، بعد أن أصبحت البيوت ذات أقفال بعدد أفرادها، وبردت سُقفها، وتباعدت أبوابها.., وتغرَّب من بداخلها..!!