مع كل تأكيد تقوم به المؤسسات الرسمية على تحصين الجيل من الفكر المتطرف والإرهابي بشتى جماعاته التي أعلنت الداخلية السعودية تصنيفها ضمن لائحة الإرهاب، نستمع إلى أصوات تدعي وجود «مكارثية»، للبحث والتنقيب عن النوايا والانتماءات. بالطبع، هذه المقولة ليست مفيدة من الناحية المنهجية، ذلك أن المكارثية كانت ضمن صراعاتٍ سياسية، غير أن التصنيف للجماعات الإرهابية: «الإخوان، القاعدة، النصرة، داعش، حزب الله» وسواها هو تصنيف فكري محض، وليس تصنيفا سياسيا، بدليل أن الجماعات تضم الشيعة والسنة وبعضهم يحارب النظام السوري الذي هو على عداء مع السعودية، ومع ذلك رأت السعودية أن تلك الجماعات إرهابية، وجرمت بأقسى أساليب التجريم الذهاب إلى القتال في مناطق النزاع، بما فيها سورية. كتبنا قبل الثورات، وقبل الاضطرابات عن ضرورة محاسبة الخطباء، وهذه ليست مكارثية، بدليل أننا نطالب بمحاسبة الأطباء والمهندسين والشرطة والدفاع المدني، والخطباء جزء من الموظفين في الحكومة، وبالتالي المطالبة بالرقابة عليهم ومحاسبتهم ليس لأنهم من هذا التيار أو ذاك، بل من باب التحصين الفكري للمجتمع، وبما أن القول في الدين يسبب فساد الأديان، فكذلك اجتراح الطبيب للجسد يسبب فساد الأبدان. الانتقاد ينصب على المضمون حين يكون إرهابيا أو تحريضيا، وليس سرا وجود مجموعة من الخطباء المتطرفين. في هذه الصحيفة، نشر أن جهات حكومية أوقفت ثلاثة خطباء بمنابر صلاة الجمعة مدى الحياة، ومنعتهم من إمامة المصلين وإلقاء الخطب، سواء كانت في المساجد أو المخيمات الدعوية، وذلك بعد أن تبين انتماؤهم الإخواني، إضافة إلى الاتصال المباشر بكافة الفصائل الإخوانية في بعض الدول العربية! هذا الإجراء هو تحصين للمجتمع من الفكر المتطرف، ويحدث في أي دولة في العالم، فلن ننصت إلى من يدعي وجود محاكم النوايا أو مكارثية العصر الحديث، بل هذه إجراءات وطنية سلمية علينا أن نمتثل لها في زمنٍ تضطرم فيه النيران من حولنا.