نخطئ في الجغرافيا حين نتحدث عن أمريكا ككتلة واحدة.. ونخطئ في الاقتصاد حين نظنها كتلة اقتصادية متماسكة.. ونخطئ في السياسة حين ننظر الى واشنطن أو أوباما كزعامة تحتكر القرار.. فهي أولا لاتُدعى أمريكا (فهذا اسم القارة) بل "الولايات المتحدة الأمريكية".. وهذا يعني أنها "ولايات" ذات كيانات مستقلة اتفقت على الارتباط بطريقة فيدرالية (حيث توجد سلطة عليا يختارها الجميع دون المساس بسلطات الولاية المحلية). وما يجعل أمريكا قوية هو تفوق كل ولاية من ولاياتها (الواحدة والخمسين) على معظم دول العالم سواء في الاقتصاد أو التقنية.. فلو أخذت مثلا ولاية كاليفورنيا ستكتشف أنها - في حال انفصلت عن الاتحاد الفيدرالي - ستصبح رابع أقوى دولة في العالم، وثامن أفضل اقتصاد بين ايطاليا والبرازيل.. وفي حال انفصلت ولاية تكساس ستصبح خامس أكبر دولة من حيث المساحة، ورابع أكبر دولة من حيث انتاج النفط.. أما ولاية نيومكسيكو فيفوق ناتجها المحلي عُمان وتضم بين جنباتها قنابل نووية تفوق أي دولة في العالم (حتى روسيا نفسها).. وإذا اكتفينا بالناتج المحلي فقط (الذي يعرف اختصارا بالGDP ويشمل كامل القيمة السوقية للسلع والخدمات) نكتشف أن: الناتج المحلي لكاليفورنيا يساوي الناتج المحلي لدولة متقدمة مثل كندا.. والناتج المحلي لتكساس يساوي دولة ضخمة كالمكسيك.. والناتج المحلي لولاية كلورادو يساوي مصر (أكبر دولة عربية في السكان). والناتج المحلي لولاية ألينوي يساوي السعودية (ثاني أكبر منتج للنفط في العالم). والناتج المحلي لولاية نيويورك يساوي كوريا الجنوبية (تاسع أكبر اقتصاد في العالم). والناتج المحلي لولاية فلوريدا يساوي سويسرا (أحد أغنى دول أوروبا). والناتج المحلي لولاية سياتل (حيث يوجد بيل غيتس) يساوي دولة نفطية كفنزويلا. والناتج المحلي لولاية ميتشغان يساوي دولة اتحادية كالإمارات. والناتج المحلي لولاية انديانا يوازي دولة تملك 400 صاروخ نووي تدعى اسرائيل. .. ولاحظ هنا؛ أننا قارنا هذه الولايات بدول إما كبيرة أو متقدمة أو لها ثقل اقتصادي كبير (كالسعودية وكندا وكوريا الجنوبية) في حين تصبح المفارقة شاسعة حين نقارن الولايات الأمريكية بدول أقل تقدما أو ثقلا اقتصاديا مثل: الناتج المحلي لولاية لويزيانا (التي أغرقها الطوفان) يساوي الناتج المحلي للباكستان. والناتج المحلي لولاية كونكتكت يساوي الناتج المحلي للجزائر. والناتج المحلي لولاية نيفادا الصحراوية يساوي الناتج المحلي لبنجلاديش. والناتج المحلي لولاية أيوا يساوي الناتج المحلي لدولة كفيتنام. والناتج المحلي لولاية أريزونا الفقيرة يساوي الناتج المحلي للفيليبين. وفي حين تعتمد هذه المقارنات على "الناتج المحلي" تتفوق بعض الولايات على مستوى العالم في الانتاج الصناعي والتقني.. فولاية ميتشغان مثلا مسؤولة عن انتاج معظم السيارات في أمريكا.. وولاية سياتل عن صنع طائرات البوينج العملاقة.. وميسوري عن الطائرات الحربية المقاتلة.. وتكساس عن انتاج النفط والطاقة.. ونيويورك عن خدمات المال والبورصة.. في حين تحتل ولاية كاليفورنيا المركز الأول عالميا في انتاج الصواريخ والأسلحة الحربية - ناهيك عن تضمنها لاستوديوهات هوليود ووادي السليكون حيث توجد جوجل وأبل وتويتر والفيسبوك وجميع الشركات التي تعرفها!! .. هذه الولايات - القوية بذاتها - تصبح أكثر قوة ومنعة بارتباطها فيدراليا ضمن دولة اتحادية كبرى.. دولة ندعوها "أمريكا" هي في الواقع "إمبراطورية" مكونة من عدة دول تتحكم باقتصادات العالم أجمع - ناهيك عن جيش يملك 144 قاعدة عسكرية حول العالم، وميزانية تساوي عشرين جيشا تاليا له في الترتيب!! أعرف أن البعض سيرى في هذا المقال تبجيلا لأمريكا؛ ولكنه في الحقيقة يأتي من باب "اعرف عدوك أو صديقك" مهما بلغ حجمه.. .. وبالطبع؛ يمكنك تجاهل كل ما سبق، ولكن "التجاهل" ليس أفضل حل للتعامل مع الرجلين..