هذه تحفة أخرى قدمها المركز الثقافي العراقي في لندن قبل أيام؛ الفيلم المصري «لا»، لمخرجه وبطله الفنان هشام عبد الحميد، الذي حضر شخصيا في هذا العرض المفاجئ. وهو فيلم لا بد أن يثير الكثير من النقاش والمدح والقدح، فهو يزج بالسياسات العربية، بل والمصير البشري ككل، في بوتقته الفنية، التي تقدم سلسلة من اللقطات التمثيلية والوثائقية والتصاوير عن معاناة الإنسان وما تعرض له من مصائب ونكبات ومذابح في عصرنا هذا. لا عجب أن يحظى الفيلم بجوائز تقديرية عالمية، كان منها شهادة تقديرية من مجلس الكونغرس الأميركي. وتفضل الدكتور عبد الرحمن دياب، مدير المركز العراقي، فتلاها بالجائزة التقديرية التي قدمها للمخرج بين تصفيق الحاضرين. ضمت اللقطات المختلفة للفيلم مشاهد فردية لوجه بطل الفيلم وهو يسخر عضلات وخلجات وجهه في حركات كوميدية تهريجية للتعبير عن سلسلة من علامات الاستفهام، تترك المشاهدين في حيرة عما يقصده منها، وما يربطها ببقية مشاهد الفيلم، وما يحمله من شعارات سياسية وفكرية واجتماعية. ذكّرني العنوان الغريب للفيلم بما قاله الإسكندر المقدوني بعد اجتياحه للشرق ووصوله إلى مشارف الهند. نظر حوله وقال إن شعوب الشرق أصبحت مستعبَدة، لأنها لم تتعلم أن تنطق بكلمة «لا». ويعطي هذا الفيلم جوابه للإسكندر. لقد تعلمنا الآن كيف نقول «لا»؛ لا للإرهاب، لا للفساد، لا للظلم، لا للفقر، لا للانتخابات المزيفة، لا للتخلف والجهالة. هذا ما يقوله المخرج الفيلسوف في هذا الفيلم. وهذا في الواقع ما نطقت به الجماهير العربية في هذا الربيع العربي. لا لكل شيء - أخشى أن أقول! شهد هذا العمل الفني جمهور غفير من المغتربين العرب في بريطانيا؛ فلسطينيين وسوريين ومصريين وعراقيين وسواهم من غير العرب أيضا، غصت بهم قاعة المركز بين جدران هذه المؤسسة الثقافية الكريمة. وبالطبع تعددت وتنوعت انطباعاتهم وآراؤهم بشأن هذا الفيلم. كان بينهم الأديب والشاعر الفلسطيني فؤاد حداد الذي أعرب عن أسفه لعدم ضمّ مشاهد صبرا وشتيلا بين مآسي ما عانته البشرية من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. ومن طرف آخر، عبرت زميلة عراقية كردية عن استيائها لغياب ما فعله صدام حسين في حلبجة. وظلم الإنسان للإنسان لا بداية له ولا نهاية. هذا عمل سينمائي لا بد أن يثير الكثير من النقاش والجدل، وهذا مما تتميز به معظم الأعمال الفنية التي تحتضن الجد والكوميديا والتراجيديا والسريالية والإبداع الفني المحض، وتحاول الربط بين كل هذه العناصر ودمجها في عمل واحد. وأخشى في قرارة نفسي أن يقول الناس في آخر المطاف «لا»، لفيلم «لا»! ولا شك في أن المركز الثقافي العراقي في لندن سيعتز بكونه أول قناة تعرض هذا الفيلم الجدلي للجمهور قبل عرضه على شاشات السينما العالمية، حيث نتمنى له ما يستحقه من التوفيق والتقدير.