×
محافظة الرياض

رسوم أطفال الرياض تزين مواقع عمل المترو

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي يتكرر الحديث كثيراً عن استهداف الإسلام في أدبيات حركات الإسلام السياسي. والفكرة تعتبر أساسية في تكوين هذه الحركات كما نظر لها أبو الأعلى المودودي ثم حسن البنا وآخرون، والتي جاءت نشأتها ردَّ فعل لهذا الاستهداف، والذي يمكن قراءة أسبابه الموضوعية آنذاك ملخصة بالاستشراق والاستعمار. فعلى الصعيد الفكري، حيث نقرأ كتابات المستشرقين ومن تبنى آرائهم من المسلمين نجد أنها أُسست على تفكيك الإسلام والتعامل معه بوصفه ظاهرة تاريخية/دينوية. وأما الصعيد العسكري المادي فتجلى باستهداف العالم الإسلامي بالحملات الاستعمارية والمخططات التقسيمية. المفهوم استخدم لاحقاً بصورة هزلية مبالغ فيها لمواجهة التحديث داخل الدول الإسلامية. كما يُقرأ في أدبيات حركات الإسلام السياسي على اختلاف توجهاتها إخوانية وسرورية وتحريرية...، حتى إن أحد المعلقين كتب - ساخراً - ما معناه أن كل «غربي» يستيقظ صباحاً ليفكر كيف يحوك المؤامرات ضد المسلمين. وسبب هذه السخرية، المبالغة باستخدام مفهوم استهداف الإسلام بوصفه جزءاً من حال الممانعة لأي تغيير في المجتمعات الإسلامية. فالتعليم الأكاديمي استهداف للدين، وتعليم المرأة دعوة لتحررها، وتطوير القضاء ناتج من رغبة في العلمنة وإقصاء الدين عن الفضاء العام، والانفتاح الإعلامي يهدف إلى إبعاد الشباب المسلم عن الدين، وتعزيز الانفصال عن القيم، وغيرها. ستجد هذه الأطروحات متناثرة في الأدبيات الوعظية لحركات الإسلام السياسي، حتى أصبحت مسألة «استهداف الإسلام» تطرح في سياق الدفاع عن الرجعية والتخلف، وفي سياق الخوف من التغيير، وتجنيد الشباب تحت لواء حركات الإسلام السياسي. هذا الأمر تغير أخيراً، إذا بدأ الحديث عن استهداف الإسلام من مفكرين وكتاب ينتمون إلى التقليد المختلف جذرياً عن تقليد الإسلام السياسي، والناقد له. وما الجدل الذي أثاره أخيراً رضوان السيد إلا رأس جبل الجليد، إن صح الوصف، فقد كتب قبل أسابيع مقالة بعنوان: «الحملة على الإسلام.. الحملة على العرب»، متحدثاً عن استهداف الإسلام السني تحت ذريعة استهداف الظلامية والإرهاب، وبرفع شعارات التنوير والعقلنة. وتحدث صراحة عن عزيز العظمة وجورج طرابيشي كنماذج، وهو ما أثار موجهة نقاشات مهمة. ونشير هنا إلى مسألة أساسية في طرح رضوان السيد، تجعله مختلفاً عن طرح حركات الإسلام السياسي. إذ إن السيد لا ينطلق بدافع غيرة دينية فقط، بل يضاف إلى الدافع الديني دافع اجتماعي، متمثلاً في أن استهداف المرجعية الدينية يؤدي إلى تفكيك المجتمع والجماعة، لمصلحة الدولة. لذا نجد من يستهدف الرابطة الدينية في المجتمع يريد أن ينقضها لمصلحة رابطة الدولة، وترسيخ روح الفردانية. لذا جاءت أطروحة السيد لتركز على الدوافع السياسية لاستهداف الإسلام السني، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ومواجهة حركات الإسلام السياسي. فيرى أن الهدف من «الحملة» ليس تفكيك التطرف والرجعية الدينية، بل مواجهة التقليد الإسلامي السني. فهل رضوان السيد وحيد في هذه الرؤية؟ هناك من أشار إلى هذه المسألة قبل أعوام، ألا وهو الكاتب والباحث محمد الطالبي، وهو ممن يعلن انتماءه ودفاعه عن «الحداثة» وانتقاده لحركات الإسلام السياسي كالسيد. في كتابه «ليطمئن قلبي» الصادر عام 2007. أفرد محمد الطالبي فصلاً عمن سمّاهم رواد المدرسة «الانسلاخسلامية» متناولاً عبدالمجيد الشرفي كنموذج من هذا التيار. وقد أشار في سياق نقده إلى باحثين وكتاب من أمثال محمد أركون ويوسف الصديق ومالك شبال وغيرهم، إذ ينطلق الطالبي في أطروحته من اعتبارين: أنه حداثي كان - وما زال - مدافعاً عن العقلنة، إذ بدأ الكتاب مدافعاً عن حداثة وعقلانية ابن خلدون، وأن الحداثة والعقلنة لا تتعارضان مع الإسلام، منتقداً التفسيرات الماضوية الرجعية التي تخلق هذا التعارض. لكنه يرى على الجهة المقابلة أن هناك من يحاول تحت لافتة الحداثة والتنوير استهداف الإسلام والدعوة والترويج إلى الانسلاخ منه. وهو يقسم هؤلاء إلى أقسام، من يدعو صراحة إلى التخلي عن الإسلام، وهو لا يتحدث عنهم في سياق كتابه «ليطمئن قلبي»، بل يتحدث عن الصنف الآخر، الذي ينظر إلى الانسلاخ عن الإسلام بدعوى تحديثه والانتماء إليه من خلال خطاب منافق يستخدم أدوات تنتمي إلى تقليد الاستشراق/المسيحي من أجل الوصول إلى غاياته التي تتلخص في التعامل مع الإسلام كهوية لا دين. يلخِّص الطالبي أفكار المدرسة الانسلاخسلامية في الرغبة في تأسيس الحداثة على الانسلاخ من الإسلام، من خلال اعتبار القرآن الكريم منتجاً بشرياً، أي نفي مصدره الإلهي من أجل تطبيق أدوات قراءة النصوص الحديثة عليه. ومقاربة الإسلام مقاربة استشراقية/مسيحي، تتلاعب في قراءة مصادر التاريخ الإسلامي من أجل الطعن في النبوة والقرآن بمبدأ التحرر من الأسطورة، والدعوة إلى الانسلاخ من العبادات بلافتة رفض الطقوسيات. واعتبار الإسلام «متعدداً» رغبة بترسيخ الحرية، بمعنى يُلغي أي عقيدة أو وجود للإسلام كدين بدعوى فتح الباب أمام التعددية. ويعارض الطالبي هذه المسألة بالتأكيد على أن الاختلاف والتعددية لا تطال أصل الإيمان بالله والنبوة والقرآن. وباعتبار أن الإسلام مؤسس على الحرية. لا شك أن كتابات رضوان السيد، ومحمد الطالبي من قبله، عن استهداف الإسلام، تشير بصدق ووضوح إلى معضلة أساسية في رؤية بعض رافعي شعارات الحداثة والعقلانية في العالم العربي، تلك التي يرى أصحابها أن الدخول في الحداثة لا يتم إلا بطريقة أوروبية قائمة على التخلص من الدين، باعتبار التحرر من الإسلام واجباً على العرب من أجل التحديث كمصير حتمي نسير باتجاهه، كما تحرر الأروبيون من المسيحية.   * كاتب سعودي BALRashed@