الأرجح أن الصفحات الأخيرة من كتاب «فتنة الفايسبوك» للشاعر والكاتب المصري عماد عبد المحسن، تملك جاذبية كبيرة. إذ تتضمن فصلاً من صفحة عنوانه «قاموس الاختصارات». وتضم الأرقام الشائعة الاستعمال بدائل من الحروف في رسائل الخليوي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كـ2 = أ/ ء/ ق، و5 أو *7 = خ، و6= ت أو ط. ويختتم الكتاب على فصل في عنوان «قاموس فرانكو آراب للفايسبوك»، وهو يضمّ مصطلحات بحروف لاتينيّة تستعمل بديلاً لكلمات وجمل بالعربية، كـTYT بمعنى «خذ وقتك»، وTC بمعنى «خذ الحذر»، وFyi بمعنى «لمعلوماتك» وغيرها. في المقابل، لعل أول ما يستوقف العين في غلاف الكتاب، أن العنوان يحمل كلمة «فتنة». إذ يخطر في البال سؤال مثل «لماذا فتنة»، ولماذا يعتبر كاتب مصري شاب موقع التواصل الاجتماعي والتفاعل معه، أشياء تندرج في باب الفتنة التي تعني إزاغة العقل والتلاعب به، بل إخراجه من المنطق وسلبه القدرة على التحليل، لمصلحة انجذاب مبالغ به وغير مبرر تعريفاً؟ ويزيد في الإرباك أن كلمة فتنة شائعة في الخطاب الإسلاموي المتشدد الشائع حاضراً، بل يمتد خيالها إلى الصراعات المذهبية المنفلتة في طول البلاد العربية وعرضها، إضافة إلى استحضارها موقفاً متخشّباً ومتشنجاً من المرأة. ليس هذا للقول إن التوفيق حالف الشاعر عبد المحسن أو خانه في هذا الانتقاء، بل ربما للإشارة إلى أن السياق الزمني والاجتماعي، هو من العوامل المؤثّرة بقوة في التفاعل بين النصوص والجمهور - المتلقي. ويأتي الكتاب الذي صدر عن «دار الأدهم» في القاهرة في ربيع هذه السنة، في حجم صغير يلائم أن يحمل في الجيب. وفي السنة الفائتة، أصدرت «دار الأدهم» ديواناً للشاعر عبد المحسن حمل عنوان «اختار من جلدي. أريكة قاتلي». وعلى رغم أن «فتنة الفايسبوك» لا يزيد عن 126 صفحة، إلا أنه يتوزّع على 14 فصلاً، ما يعني قرابة 8 صفحات صغيرة القطع للفصل. بقول آخر، يكاد الفصل يكون مقالاً. ويذكر هذا الأمر بالعنوان الصغير للكتاب «مقالات في الإعلام المعاصر»، وهو ربما أكثر تعبيراً عن سياقه. وتفيد كلمة «مقالات» التعدّد، وهو موجود فعليّاً، لكن الحديث عن «الإعلام المعاصر» شأن لا يخل من بعض المبالغة، خصوصاً أن الكاتب يتناول فضاء الإعلام العام في مصر حاضراً. مصر وعاديّة الإنترنت تهيمن «ثورة 25 يناير» وأجواؤها على الكتاب، وهو أمر يقوله الكاتب صراحة على غلاف الكتاب، وفي المقال الأول «فايسبوك كلمة سر ديوان العرب الجديد»، وعلى امتداد مقالات الكتاب. ولا يتردّد الكاتب في نسج خيوط بين تلك الثورة، و«فايسبوك». لكن، إذا كان ذلك الموقع وصل إلى هذا الحدّ من الاندماج في الحياة اليومية للمصريين، فكيف يمكن التفكير في عنوان مثل «عجائب الفايسبوك»؟ وتعريفاً، فإن العجيب هو ما يخرج عن المألوف ويبتعد عن العادي واليومي والشائع. وإذا نظرنا الى الفايسبوك على أنه مكان تتجمع فيه «عجائب»، فكيف ينسجم ذلك مع اعتباره يوميّاً وشائعاً؟ ويعالج الشاعر عبد المحسن الـ «فايسبوك» بصورة مباشرة، في المقالين الافتتاحيين للكتاب، وفي العناوين الأربعة الأخيرة من الكتاب. وبين فصول البداية والنهاية، تظهر المقالات توزّعاً في المواضيع التي تنتشر على محاور متنوّعة، مع وزن خاص للتلفزة فيها، ربما يتسق مع السطوة القويّة لشاشات الفضائيات على الإعلام العام في الدول العربية حاضراً. وتظهر تلك الشاشات بصورة مباشرة في مقالات كـ «عاد رمضان وغاب الفن الجاد» و «الدراما الخليجية الرمضانية» و «الدراما المصرية تتعافى». ويحضر «فايسبوك» في هذه المقالات بصورة غير مباشرة، بمعنى أن الشبكات الاجتماعية تظهر بصفتها عنصراً يساهم في صنع ثقافة عامة، خصوصاً عند النخبة. ولعل ما يبــقى في الذهن هو صور القوة المتعددة الشــــكل التي يعطيها الكتاب لـ «فايسبوك»، ما يثير ســؤالاً عن مدى خروجه من حال الانبهار، كمـــثقف عالمثالثي، بظاهرة تألّقت في العـــالم المتقــدّم تتــــمثل في الإنترنت وشبكاتها وما يتصل بها من معــطيات في السياسة والثقافة والاجتماع.