كان «روائياً ثانوياً بأسلوب كبير» وفق الناقد البارز هارولد بلوم، و «يصف بلا هدف» وفق غور فيدال. «هل كانت لإبن المومس فكرة واحدة غير منشورة؟» تساءل ديفيد فوستر وولاس. رأى الناقد جون أولدريدج أن ليس لديه ما يقوله. وأشارت الناقدات النسويات الى تشييئه النساء اللواتي صوّرهن مجرد موضوع جنسي. في كتابه عن جون أبدايك، شكا آدم بيغلي من حياة الكاتب الخالية من المعاناة. كل ما فعله هو الكتابة، وحين كتب كان كمن ينظر عبر زجاج رفيع الى العالم الحقيقي. ابنه ديفيد قال إن والده قرّر باكراً ان الكتابة تأتي قبل كل شيء بما في ذلك علاقته بالناس الحقيقيين في حياته. حتى حين هبط مستواه في أواخر حياته بقي يكتب، على رغم أن روايات مثل «غرترود وكلوديوس» و«قرى» أساءت الى تقويمه. أصدر أكثر من ستين كتاباً في 76 عاماً، منها 27 رواية، دزينة مجموعات قصصية، عشرة كتب شعر، ومذكرات إضافة الى كتب نقدية ومقالات عن الغولف وغيره. كان أبدايك زميل والد بيغلي في الجامعة، ولاعَبَ كاتب السيرة صغيراً برمي ثلاث برتقالات في الهواء والتقاطها. في «أبدايك» الصادر عن هاربر كولينز إعجاب يتجنّب الانبهار وحسّ الحماية، والسيرة تركّز على النصف الأول من الحياة لامتناع مارثا برنارد، زوجته الثانية، عن التعاون معه خلافاً لماري بيننغتن، زوجته الأولى التي اقترن بها حين كان طالباً في الحادية والعشرين. درست في رادكليف، وكانت أكبر سناً، أرفع طبقة وأكثر حذلقة وبوهيمية، ومنحته ثقة اجتماعية بنفسه. ساعدته على قهر التأتأة وداء الصدّف الجلدي والسلوك الأخرق، وأنجبت طفلها الأول في بريطانيا حين كان أبدايك طالب فن في جامعة أكسفورد. طفولة مضطربة كان طفلاً وحيداً لأم عبدته وأب عمل ناظراً في حقل نفط، وكاتباً في فندق ثم مدرّس رياضيات. استرجع الكاتب كآبة الوالد ونكاته اليائسة وعجزه عن فرض النظام في الصف، ورسم صورة متعاطفة له في «القنطور». لزمت أمه البيت لرعايته، وكتبت قصصاً طلبت رأيه بها فقال لاحقاً: «مسؤولية مرهقة، ولكن رائعة، لطفل في العاشرة». نشرت «نيويوركر» قصصه مذ كان طالباً في الجامعة، ثم وظفته حتى وفاته، ونشرت عشر قصص لوالدته ليندا. كتب في قصيدة: «عرفت أمي عار رفض النشر(...) وأنا حصلت على الموهبة السحرية بدلاً منها». نقلت الأم الأسرة من شيلنغتن، بنسلفانيا، الى المزرعة الصغيرة المنعزلة في بلوفيل حيث نشأت، فأبعدته عن صديقته ومصادر الإلهاء الأخرى لكي تعدّه للمستقبل العظيم الذي توقعته له. كان في الثالثة عشرة، وأحس أنه طُرد من الجنة. باتت شيلنغتن أولينغر في رواياته وقصصه، وقال إنه مذ غادرها لم يتمتع بالكسل المثير الذي عرفه فيها. رغب أولاً في امتهان رسم الصور المتحركة، وقال إن ميكي ماوس كان الحب الطاهر الوحيد في حياته. أدرك حين درس في هارفرد أنه يفضّل أن يكون كاتباً. درس بمنحة وتسلّح بصورة الريفي المرتبك، لكنه اجتهد وتخرّج بمرتبة شرف. يشير بيغلي الى نجاح أبدايك الباكر «المالس»، وهو حقّق فعلاً كل ما حلم به. انضم الى أسرة «نيويوركر» التي شاء الكتابة لها مذ كان في الثانية عشرة، وعاش في نيويورك ووجد النجاح والثروة باكراً وسريعاً. لاءمته نيويورك الساخرة، الذكية، المتحذلقة، المحتفلة بنفسها وبأميركا، لكنه غادرها بعد أقل من عامين إثر حفلة أقامها زميل في المجلة. صُعق لرؤية أصحاب الأسماء الكبيرة يبدون متعبين وضئيلين، وخشي مصيراً مماثلاً. كان عليه الهرب من الحذلقة الهشّة والصحافة الأنيقة، والبدء بالكتابة الحقيقية في مكان آخر. قصد إبسويتش، ماساتشوستس، التي دعاها «تاربوكس» في روايته الأفضل مبيعاً «أزواج»، وجعلها ملعباً للبالغين الذين كانت تسليتهم المفضّلة الخيانة. كان أصدر في 1960 «يا أرنب، أركض» التي كانت بداية رباعيّة ناجحة يراها نقاد وكُتاب كثيرون أرفع أعماله وأفضل صورة لأميركا في القرن العشرين. رسم فيها الحياة السريّة، المضطربة، الميسورة للطبقة الوسطى، ورصد تطور هاري «رابيت» أنغستروم، البطل المدرسي في كرة السلة، الذي توقف عن الدراسة في السادسة عشرة وباع أدوات المطبخ وتزوج باكراً، واجتاحته دائماً رغبة في الهرب. تعلّم أبدايك تفاصيل بيع السيارات لوصف وظيفة «رابيت» التالية، ولئن كان الكاتب أقرب في حقيقته الى شخصية ريتشارد مابل، تعاطف غريزياً مع الرجل العادي خلافاً لمعظم كُتاب جيله، وصوّر نفسه كذلك على رغم تفوقه منذ الطفولة. اتخذّ لاحقاً أنا آخر هو هنري بك النيويوركي اليهودي، المشاكس المملوء بالوطنية البشعة. خطّط أحياناً عقدة الروايات في الكنيسة، وفي «أرنب» يحدّق هاري في رقبة امرأة من الشلّة وهي تجلس أمامه في الكنيسة ويشتهيها. قال إن رباعية «أرنب» متجذّرة في عقيدة طفولته اللوثرية، وتأثّر لاحقاً بالفيلسوف سورين كييركغارد واللاهوتي كارل بارت. رأى أنه يجب الإيمان بالله مع التساؤل لماذا يسمح بحصول الحوادث الرهيبة لنا. عاش 19 عاماً مع ماري وأطفالهما الأربعة في إبسويتش حيث كتب ثماني روايات ومعظم قصصه، وسيطرت الخيانة هاجساً شخصياً وخياراً فنياً فقيل إنه مؤرّخها في نيوإنغلند. كانت «ساحرات إبسويتش» أكثر رواياته شعبية بعد تحويلها فيلماً من بطولة جاك نيكلسن وميشيل فايفر. انضمّ وزوجته الى مجموعة من الأزواج الأثرياء الشباب حضرت الاجتماعات وحفلات العشاء والشواء وشربت كوكتيل بعد الظهر، وذهبت الى الكنيسة وتبادلت الشركاء والشريكات سرّاً وتركت بيوتاً محطّمة. حين اكتشف هربرت هارينغتن أن أبدايك كان على علاقة بزوجته جويس، اجتمع بماري وجون، وطلب منه أن يختار بين المرأتين. انتقى أبدايك جويس، فنصح هربرت ماري باستشارة محاميه للطلاق. خلال اجتماعها بالمحامي اتّصل أبدايك بزوجته وأخبرها أنه يريدها هي. ثار هربرت وأصرّ على مغادرة أبدايك وأسرته إبسويتش، فقصدت هذه إيطاليا حيث عاشت بضعة أشهر بعيداً من هربرت الغاضب. كان «ليبيدو» الكاتب فائق النشاط، وذكرت إحدى النساء اللواتي قابلن بيغلي أن النوم معه كان مصدر فخر. وقائع شخصية علاقة أخرى أنهت الزواج في 1977 بعد عامين من عيش الكاتب وحيداً ونصف عازب في بوسطن. صعب عليه فراق أولاده، لكنه قرّر في النهاية أنه يجب الدفاع عن واجب العيش حتى ضد الفضيلة. سالت دموعه غزيرة وهو يخبرهم قراره، لكن عذابه ظهر مفصّلاً في كتاب لاحق. أبعدته مارثا عن أصدقائه القدامى، وعاشا بعزلة مطّردة حتى وفاته بعد أكثر من ثلاثين عاماً في 2009. أدمن السفر والقراءة، ولعب الغولف والبوكر. اهتم شخصياً بتصميم كتبه، وانضم الى لجان عدة كنسية ومدنية. تعلّم قراءة الموسيقى، وصنع الرفوف وبيوت الدمى وأقفاص الدجاج ونوافذ العاصفة بنفسه. ونشر كتاباً كل عام حتى وفاته. قلّد فنّه الحياة، وقال إن الحقيقة وحدها مفيدة مهما كانت قاسية. جعل سيرته وحياة الآخرين أساس أدبه، وقال في مذكراته «الوعي بالذات» إن «الأهل، الزوجات، والأولاد، كلما كانوا أقرب إلينا وأعزّ علينا، عوملوا بلا رحمة». هل كان القول إن ليس لديه ما يقوله ما دفع أبدايك الى اتخاذ موقف عنيد مع حرب فييتنام إزاء الإجماع الليبرالي ضدّها؟ في صيف 1967 صرخ مدافعاً عن الحرب في وجه فيليب روث خلال عشاء في مارثا فاينيارد، فقال الأخير إن أبدايك أكثر الحضور عدوانية. كان أكّد نفسه كاتب جيله المتفوّق بـ «القنطور» و»يا أرنب، أركض»، وتساءل لاحقاً لماذا ثار بتلك الطريقة. عرف أنه دافع عن نفسه، وليس فقط عن السياسة الأميركية. كان ابن بلدة صغيرة مثّلت السلطة فيها شيلينغتن هاي سكول، وهاجمت الحركات المعارضة للحرب السلطة في كل فئات المجتمع. كان أبدايك، الوطني، المسيحي المعتدل، الباكر الموهبة والنجاح، أفضل دعاية للأدب الأميركي في الحرب الباردة الثقافية. أوفدته وزارة الخارجية الى الاتحاد السوفياتي في جولة ثقافية دامت ستة أسابيع، وأوحت لغته الغنيّة ثراء أميركياً يفوق الواقع. لبّى دعوة ليندن جونسن الى العشاء، فقالت ماري إن الرئيس مثّل رمز الأب المعرّض للهجوم، في حين رأى أنه أراد إزعاج زوجته التي لم يطِق ليبراليتها. آداب وفنون