×
محافظة المنطقة الشرقية

وزير الطاقة الاماراتي والسفير المصري يبحثان التعاون بين البلدين

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي قد لا يعرف كثيرون من الجيل الشاب أن فكرة «المصالحة الوطنية» طُرحت في سورية أيام «ربيع دمشق». في أيار (مايو) 2001، نشرت افتتاحية في نشرة «الموقف الديموقراطي»، التي تصدر عن «التجمع الوطني الديموقراطي»، تدعو إلى كشف الحقائق وإعادة الحقوق إلى أصحابها والمصالحة الوطنية. لكن الفكرة لقيت أقوى تعبير لها في محاضرة ألقاها رياض الترك في «منتدى الأتاسي للحوار الديموقراطي» في 5 آب (أغسطس) 2001. تكلم الترك على وجوب «الاستقرار على مبدأ المصالحة الوطنية طريقاً للخروج من حالة التخندق والتلطّي والنيات السيئة. هذه المصالحةُ مطلوبةٌ ما بين الشعب وأهل النظام، وما بين السلطة والمعارضة بأشكالها، وهي تحتاج إلى الثقة التي لا يمكن بناؤها إلاّ بخطى ملموسةٍ تتعزّزُ من خلالها ميولُ التسويةِ وتتراجع ميولُ العداء والخوفِ والثأر». كان الرجل قد قضى 17 عاماً و7 شهور في زنزانة منفردة في أحد الأجهزة الأمنية في دمشق في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهو ما يجعل كلامه عن المصالحة الوطنية تعبيراً رفيعاً عن تحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية (نص المحاضرة متاح هنا: http://www.oocities.org/riadtourk/atasi1.htm). ليس فقط لم تلق دعوة المصالحة الوطنية أي استجابة عملية، بل كان الرد المتواتر للمتكلمين الأسديين الصغار حينها: وهل نحن في حالة حرب حتى نتصالح؟ هذا الرد المُزايد كان يستثمر بالضبط في الخوف العام الذي تسببت به حرب النظام السابقة كي يُسكِت أي محكوم يدعو إلى طي صفحة هذه الحرب بالذات. يُرفض مجرد النطق بعبارة المصالحة لأنها تتضمن في طياتها العداوة والخصومة، وتذكّر بوقائع المذابح والاعتقال والتعذيب والقتل، والنهب والاستيلاء على موارد المقتولين وأملاكهم، فضلاً عن تحقيرهم والافتراء عليهم. أي لأنها تحيل إلى التاريخ الإجرامي للنظام. لدى النظام سردية مغايرة، عنوانها «الوحدة الوطنية»، وهي تعني أننا كنا وما زلنا وسنبقى على ولاء ثابت لا يتزعزع لـ «سيد الوطن» الذي فاز في آخر استفتاء لـ «تجديد البيعة» له بنسبة 97,61 في المئة من أصوات المحكومين المُحبّين له ولأبيه. نحن موحّدون فعلاً، فما معنى الكلام على المصالحة؟ ستبدو هذه الدعوة، وليس غيرها، الباعث على الخصومة والشقاق! مع هذا المنطق تواطأ طيف غير ضئيل من معارضين لم يأخذوا المواقف الملائمة للنظام دوماً، والمضعفة لحركة المعارضة دوماً، إلا لأن تكوينهم الاجتماعي والفكري يضعهم في عالم من الحساسية والقيم مشترك مع النظام. كانت دعوة المصالحة في عين هذا الطيف تثير في النفس تداعيات آثمة عن صراعات طائفية، الأمر الذي اتجه التفضيل الدائم ليس إلى التكتم عليه فقط، وإنما إلى التشبيح على من قد ينتهكون هذا التابو ويحاولون تسمية بعض الأشياء بأسمائها، واتهامهم هم بالطائفية. النظام يتهم دعاة المصالحة ممن كانوا قبل قليل في سجونه بأنهم هم دعاة الشقاق والعداوة، وهؤلاء يتهمون منتهكي المحرّم السياسي الخاص بالطائفية بأنهم هم الطائفيون! أليس هذا تكويناً مشتركاً؟ ماتت سيرة المصالحة الوطنية بعد «ربيع دمشق». رياض الترك اعتقل بعد أقل من شهر من محاضرته لأنه وصف حافظ الأسد بالديكتاتور، وهو وصف غير دقيق في الواقع، فقد كان الرجل طاغية وقاتلاً عاماً. واعتقل آخرون، ومات «ربيع دمشق» نفسه قبل أن يكتمل عام على بدايته. من المهم تذكر هذه الوقائع للقول إن كفاحنا التحرري لم يبدأ قبل 3 سنوات، وإن السوريين واجهوا النظام بالسياسة والرأي في جولات سابقة، وإنه ثابر على مواجهتهم بالسجن والتعذيب والقتل، والكذب. من المهم أن يعرف جيل جديد أن جيلاً سابقاً قاوم الطغيان في وقت مبكر نسبياً، ربما بأدوات مختلفة عن اليوم (أحزاب سياسية أساساً)، لكن بنهج سِلمي أيضاً. في بلدنا، التذكر فعل مقاومة وتحرر، والنسيان خيانة. غير أن سيرة المصالحة الوطنية انبعثت فجأة من أوساط النظام في العام الماضي. بل تشكلت لها وزارة خاصة، وزارة المصالحة الوطنية. خلال عام ونصف العام من تاريخ الدعوة الجديدة صعّد النظام حربه، وانتقل من قصف المدن والبلدات بالطيران الحربي إلى قصفها بصواريخ سكود إلى البراميل المتفجرة إلى السلاح الكيماوي. واستناداً إلى سوابق النظام وبنيته، ليس في قتل محكوميه المتمردين والكلام على المصالحة الوطنية أي تناقض. أو لنقل إن العالم الذي تجتمع فيه المصالحة والقتل العام هو نفسه العالم الذي تكون فيه الجمهورية مملكة سلالية، وحالة الاستثناء قانوناً دائماً، ورمز الهزيمة «بطل الأمة»، والنظام الطائفي كفيل الوحدة الوطنية، وانتهاك التابو الطائفي هو الطائفية، والدعوة السابقة الى المصالحة إثارة للشقاق. العالم الذي لا يكف عن محاولة حل تناقضه المؤسس بعنف لا يُحد، ولا يجد سبيلاً أمامه للإفلات من المحاسبة عن مذبحة سابقة بغير مذبحة جديدة. ليس كلام المصالحة الوطنية اليوم، بالتالي، غير استمرار للمذبحة المتواصلة بوسائل مختلفة، وغير استمرار في شروط مغايرة لرفض المصالحة نفسها في مطلع القرن. في صيغتها الأولى كانت دعوة المصالحة فعلاً وطنياً تحررياً، اليوم هي مشاركة في الجريمة المستمرة. ومن المناسب جداً أن يكون وزير المصالحة الوطنية، علي حيدر، من الحزب القومي السوري، الذي تُظهر معلومات أتيحت أخيراً أنه شريك لتنظيمات فاشية ونازية أوروبية، مع ستالينيين وكاثوليك، في تجييش الدعم للنظام الأسدي في أوروبا (مقالة بعنوان: هتلر وستالين وموسوليني وتطرف كاثوليكي تحت راية الأسد، متاحة هنا http://en.qantara.de/content/the-syrian-conflict-a-red-brown-alliance-for-syria من الصفحة نفسها يمكن قراءة المادة بالانكليزية والألمانية). لم يخطئ من قال إن فكرة المصالحة الوطنية تحيل بصورة خفية إلى الطائفية والصراع الطائفي. فكرة المصالحة الوطنية تستبطن أن هناك عداوة وطنية عميقة، تجد مراسيها في الطوائف والاستقطاب الطائفي، وأنه يمكن تجاوز الأمر أو فتح الباب على تجاوزه بالعدالة والحقيقة والإنصاف. وقتها كان وراءنا بضع عشرات الألوف من الضحايا، ومثلهم من المهجرين، وألوف من المعتقلين السابقين. ولو بذل جهد من أجل إبقاء الموضوع حياً في النقاش العام على الأقل، أو مورست بضعة «تمارين على الحوار»، على ما اقترح رياض الترك في محاضرته نفسها، لكان ذلك بداية لتراكم معنوي وسياسي، ولربما كان من شأنه تغيير البيئة السياسية والنفسية في البلد في اتجاهات أقل عدائية. عكس ذلك هو الذي فضّلته طغمة النظام، الإمعان في الطائفية والاستمرار في حكم البلد بالوسائل الإجرامية ذاتها التي أدت إلى انفجار سابق. فكيف يمكن ألا تؤدي إلى انفجار لاحق أشد هولاً؟     * كاتب سوري