×
محافظة المنطقة الشرقية

مصر: اكتشاف مقبرة أثرية تعود لعصر ما قبل الأسرات

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي لو صحت التخمينات المتسربة من صناديق الاقتراع، قد يكون نوري المالكي الفائز الأكبر في الانتخابات النيابية العراقية التي أُجريت قبل أيام. وهو على أية حال بدا متأكداً من غلبته، مصرحاً بأنه يتوقع أن يحوز أعلى نسبة مقاعد، وأنه في الوقت ذاته يمتلك تحالفات أكيدة تجعل «ائتلاف دولة القانون» في موقع صاحب الغالبية البرلمانية والطرف الذي يشكل الحكومة. لكن السيد المالكي انتهز المناسبة ليقدم مفهومه للحكومة المطلوبة، باعتبارها تتشكل من الغالبية وليس وفق أسلوب المحاصصة الطائفية، رافضاً الحكومة التوافقية. ولأن النتائج النهائية تتطلب وقتاً طويلاً لا يقل عن شهر، وفق ما أعلنت مفوضية الانتخابات (مدة متفائلة، إذ تطلب الأمر ثلاثة أشهر بعد الانتخابات الماضية)، فلا بد من التعامل مع المواقف والتكتيكات السياسية التي ستُعتمد خلال هذه المدة الرمادية باعتبارها النار التي تُنضِج التصورات الحاكمة للعراق خلال فترة من الزمن... ولو أن الانتخابات ونتائجها، أياً تكن، ليست وحدها ما سيقرر أجواء الفترة المقبلة تلك، أو أحداثها في بلد مصطخب، تحيط به منطقة تمر بها الأعاصير. المفارقة أن السيد المالكي يتكلم اليوم في شكل استباقي، بصفته حاكم الغد، مشيراً مثلاً، يوم الانتخابات، إلى اقتراب موعد حسم الوضع في الفلوجة الذي أخذ وقتاً اكبر مما ينبغي، وفق قوله، مضيفاً أن «العالم سيفهمنا» بعدما تمهّل كفاية مراعاةً لسلامة المواطنين! وهو موقف يثير الرعب، إذ ترجمته هي توعّد المدينة المنكوبة، لا سيما أن المعارك حولها لم تتوقف وأعداد الضحايا منها ومن أفراد الجيش العراقي كبيرة. يعني ذلك إذاً أن المالكي يشير إلى حسم من نوع آخر، تدميري بالكامل، على نسق ما ينتهجه بشار الأسد في المدن والمناطق التي تعصى عليه، إذ يطبق سياسة الأرض المحروقة. وعلى أية حال، مخططات الرئيس السوري تتحول إلى «مدرسة»، وهو نجح في شكل باهر في تحوير الموقف عبر صناعة الخصم الذي يشتهي، والجدير بالتدمير في نظر العالم (هو الآخر!) الذي يستدعي شهادته وتضامنه معه ضد الإرهاب. وتطورات الحال في الأنبار، والفلوجة منها، تذكّر في شكل مدهش بهذا السيناريو، إذ رفض المالكي طوال السنتين الماضيتين التعامل مع مطالب الأهالي، واستفز الأصوات التي كانت تخرج من صفوفهم باحثة عن حلول أحبطها، وقمع الاعتصامات بالحديد والنار، ممهداً الطريق لتسلل تنظيم «داعش» وقواته الى مكان أُهّل له بتعريضه لوصفة الإهمال والظلم والإهانة. والمفارقة أيضاً أن السيد المالكي يتناول موضوع حكومة الغالبية كما لو كان يعيش في السويد، بينما بنيت كل فلسفة «العملية السياسية» التي يعتدّ بها هو نفسه، على فكرة «ديموقراطية المكونات» التي تقول- وإن في شكل أنيق ربما- إن الأساس في الحكم هو المحاصصة الطائفية والإثنية. ومن الصعب تماماً المزاوجة بين متضادين، فيُلجأ إلى حكومة الغالبية في ظل نظام قائم على التقاسم، إلا إذا كانت نية المالكي تتجه إلى اقتناص الغلبة تحت مسمى الغالبية. فمن المعلوم أن الاعتداد بنتائج صناديق الاقتراع فحسب، وبمهارات التحالفات السياسية، يصح في بلدان مستقرة على كل الصعد، من تلك التي تجاوزت تماماً سؤال المصير، وليس في أماكن تخترقها طولاً وعرضاً نزاعات مسلحة، وتمردات وعصيانات عنيفة من كل نوع، تهدد كل يوم وحدتها السياسية والوجودية، وتمارس كل يوم ما يوحي بمغادرتها الوطن الواحد غداً... فإذا بالأكراد يستأثرون بالنفط ويتولون تصديره وبيعه، ويطلبون من سائر العراقيين الحصول على إذن (عصي المنال) للإقامة في أربيل لو أرادوا ذلك، بل على ما يشبه الفيزا لدخول كردستان أصلاً ولو لزيارة، وإذ بأصوات في البصرة تطالب بالكونفيديرالية بما هي استقلال ذاتي، وأخرى تدعو المالكي الى عدم التنازل عن الحكم فيجيب بنغمة منسجمة مع النداء: «بعد ما ننطيه» (أي لن نعطيه بعد الآن)، ونون الجماعة هنا شيعية بامتياز، تستند إلى ما يُفترض أنه التعويض عن المظلومية القديمة، وتُترجم بامتيازات من كل نوع وباستئثار بعائدات «الدولة»، سواء منها الريعية أو الأخرى المتيحة لكل أشكال «البزنس»، ما يرفع منسوب الفساد بلا سقف معلوم، وبطريقة سرعان ما تصبح كاريكاتورية لفرط فجاجتها، بينما تتجه المنطقة الغربية في شكل ذاتي ومدفوع في آن، أي كفعل ورد فعل لا يتوقفان عن التراسل بينهما، إلى التصرف كمنطقة «خارجة»، يحدد مقدار خروجها وطبيعته المسلك المقابل، وكذلك مجريات الأمور في المناطق السورية المتاخمة لها، والتي تتداخل معها بشرياً وعشائرياً ومذهبياً. لم يكن يُعقل أن يخرج العراق بسلام من كل الأهوال التي عاشها خلال عقود تقارب نصف قرن. تلاحقت تلك الأهوال بلا هوادة ولا محطات استراحة. ومن المفيد دوماً استحضارها بالتتابع لإدراك كثافتها الفظيعة، منذ ساد في أرض الرافدين نظام استبدادي صارم، مروراً بحرب السنوات الثماني الطاحنة مع إيران، ثم بغزو الكويت، فالحرب الأولى التي هُدِّد العراق خلالها بإعادته إلى العصر الحجري، وتلاها قيام نظام صدام المتهالك (وبإجازة دولية) بقمع الانتفاضة التي أعقبت هزيمة الجيش العراقي في تلك الحرب، وانتشرت في 14 محافظة من أصل محافظات البلد الـ18، وامتدت من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وهو القمع الذي أوقع أكثر من ثلاثمئة ألف ضحية خلال 15 يوماً... ثم جاء دور الحصار الدولي المديد، فالحرب الثانية والاحتلال الأميركي الذي استخدم البلد حقل تجارب، أخطرها ما يقع في المجال السياسي. كان كل ذلك يستدعي إعادة صوغ العراق وفق منطق «تأسيسي» يُشرك كل أجزائه ومكوناته في بلورة التصور المشترك للوطن المنهك والمستباح. وهو ما مورس في أماكن من العالم عاشت أهوالاً أقل، وعصفاً ببُناها أخف من ذلك. ولكن يبدو أن المالكي ينحاز جدياً إلى التعريف المبسط للديموقراطية كـ «ديكتاتورية الغالبية» كما في بعض القواميس المستعجلة. والأدهى أنه يعتبر الاقتراع مُظهِّراً لتلك الغالبية التي ينوي الاعتداد بها كما يقول... يبدو أنه لا تزال أمام العراق مآسٍ.