يتحدث بعض الناس بأسف أن المسجد فقد دوره المجيد السابق، حين كان مكانا للعلم والمعرفة والتثقيف ونشر الوعي، ولم يكن مقتصرا على أداء الصلاة فحسب، وقد حاول البعض أن يعيد إلى المسجد ذلك الدور الغائب بالعمل على إقامة بعض الأنشطة داخله لجذب الناس إليه، فلا يكون دوره منحصرا في أداء الصلاة فقط، كما هو الحال الآن، إلا أن تلك المحاولات كلما بدأت فشلت. وغالبا، ينسب الفشل إلى تغير الزمن وتغير الظروف، أو تغير الناس وما اعترى أبناء هذا الجيل من عزوف عن الطاعة وانصراف إلى الملهيات الكثيرة المنتشرة من حولهم، ومن النادر أن يخطر ببال أحد أن السبب في فقد المسجد مكانته الإيجابية السابقة نابع من داخل المسجد نفسه، وليس من خارجه. إن إمعان النظر إلى ما يحدث داخل بعض المساجد في عصرنا هذا، يجعلنا نردد أن الناس معهم حق إن هم انصرفوا عن ارتياد المسجد لغير أداء الصلاة، إذ لم يعد في بعض المساجد ما يجذب، إن لم نقل بل إن فيها ما ينفر، يدخل الشباب أو غيرهم من عامة الناس إلى المسجد راضين عن أنفسهم، محسنين الظن فيها أنهم جاءوا يلبون نداء ربهم ويظهرون طاعتهم له، فبماذا يقابلهم بعض خطباء المساجد وأئمتها؟ إنهم يستقبلونهم باللوم والانتقاد والتقريع، فلا يسمعون منهم إلا صراخا مدويا، وتوبيخا يقذف إليهم بشتى التهم، حتى ليشعرون أن ليس على وجه الأرض من هو أشد سوءا منهم. يخاطب الإمام أو الواعظ المصلين فيكون محور حديثه: أنهم وقعوا في الآثام وارتكبوا من الذنوب ما أخرجهم عن دائرة الإيمان وأوقعهم في دوائر الكفر والشرك، وأن عليهم أن يفزعوا وأن لا يغروا بما هم فيه من نعم، فإن الله لو آخذهم بذنوبهم لأرسل عليهم الكوارث تنزع نعمته عنهم وتخسف الأرض بهم، فإذا هم في غمضة عين في أسوأ حال. يشعر الناس، إثر ذاك، بقلوبهم ترتعد من الخوف والضيق والضجر، وسرعان ما يفرون هاربين يبحثون عن هواء نقي يعيد لهم شيئا من الصفاء بعد أن ضاقت رئاتهم بهذا الجو الخانق. لو أن الناس وجدوا حوارات واعية تلامس قضايا عصرهم بواقعية، وصدورا رحبة تحتوي مشكلاتهم وهمومهم، ووجوها باشة مبتسمة، وقلوبا محبة دافئة، تحسن الظن فيهم وتتوقع الخير منهم، فترشدهم بتفاؤل وأمل في قدرتهم على إتيان الخير، لربما تبدل الموقف من المسجد، وصار الناس يتسابقون إليه ليجدوا فيه متعتهم الروحية وراحتهم النفسية.