منذ فجر الثلاثاء طغت الأخبار القادمة من الأحساء على اهتمامات المجتمع السعودي الذي فجع بحادث إرهابي، ولأول مرة بهذا المستوى من البشاعة، في إشارات تطرف مذهبي، لم يصل إلى هذا المستوى من قبل، كما أن إشارات الرفض له من كل الأطراف المجتمعية كمؤسسة الإفتاء تؤكد أنه لن يتكرر فيما بعد، في حال تكريس ثقافة الإدانة والاستنكار لهذا الفعل دينيا ومطاردته أمنيا، وهما الأمران اللذان حصلا بالفعل. ففي اليوم نفسه الذي أقل ما يوصف به أنه "يوم ثقيل" تمازجت دماء أبناء المملكة في شرقها ووسطها؛ ليموت رجلا أمن دفاعا عن حق الحياة لضحايا "الدالوة"، بعيدا عن محاولات الفرز والتصنيف والتأويل، تلك التي تستهين بحرمة الدماء المعصومة تعصبا لأيديولوجية مزعومة تنهش في صورة دين مهما حاول متطرفوه ومستغلوه فإنه "دين سلام". هكذا يدافع المسلمون عن دينهم والسعوديون عن وطنهم، كي لا يسرق إنجاز الوحدة الأبرز في القرن الماضي لبلاد التوحيد من سارقي الأديان، فبلادنا- كما يقول الصحافي سعود البلوي- هي رمز الاعتدال و"ما أظهره مثقفوها في هذا الحادث الجلل من تكاتف وتعاضد ضد قوى التطرف والشر يؤكد أننا ما زلنا بخير"، وهو أمر يؤكده صالح المري أحد أبناء الأحساء المنطقة المثلى في تجانسها وفي طبيعة إنسانها الجانح للسلام والوئام، إذ يقول المري: "أحساء الخير ومنبع التعايش بين فئات المجتمع وطوائفه تستنكر هذه الحادثة وتشمئز منها ولن تهز هذه الحادثة من ترابطنا الاجتماعي القوي كمواطني بلاد واحدة". وفي الوقت الذي أظهر فيه رجال الأمن بسالة الجندي المدافع عن الحق وعن تطبيق شرع العدالة الإلهية دون تمييز طبقي أو اجتماعي أو مذهبي، حاول السعوديون أن يكونوا على قدر الحدث وما يحتاج إليه من وحدة وطنية في وجه قوى التطرف والغلو ليتناسى مثقفو المملكة خلافاتهم؛ مستنكرين بصوت واحد هذه الجريمة التي هزت شرق البلاد ووسطها. وعبر أكثر من مثقف على اختلاف ميولهم عن الحاجة إلى إغلاق أصوات التطرف الناعقة بالشر والأذى عبر أقنية التحريض المذهبي من الطرفين، مثل الكاتب والإعلامي المعروف جمال خاشقجي الذي عبر عن سعادته بإغلاق إحدى القنوات المتهمة بالتحريض الطائفي، غير أن أصوات التطرف لا تنفك تعيد تشكيل نفسها عبر وقائع يجمع على رفضها الكثيرون؛ لتعيد تبرير جريمة حديثة بأخرى قديمة مشابهة تحصل في دول الجوار.. وهل بالانتقام يحدث السلام؟ وهل بإشعال المزيد من النار تنطفئ النيران؟.. هكذا يرد العقلاء في زمن خفوت صوت العقل وارتفاع عقيرة التطرف إلا أن المجتمع السعودي لا يزال رافضا للفتنة، متشبثا بالاستقرار كما أظهرته دائما الأحداث المتعاقبة.