عبر ثلاث قمم متتابعة خلال 72 ساعة، خطفت المملكة الأنظار من كل عواصم العالم، ورسخت بقيادتها الواعية والعقلانية الحكيمة، ريادتها للعالمين العربي والإسلامي كقوّة لا يستهان بها، بل ومحطة وركيزة أساسية من ركائز تحقيق السلم العالمي.. عبر قدرتها على جمع قرابة 55 دولة عربية وإسلامية يلتئمون تحت خيمتها، وفي عاصمتها، في حوار جدي هو الأول من نوعه مع القوة الكبرى عالمياً، لمعالجة إشكاليات المنطقة والعالم. كان مشهد رئيس أقوى دولة بالعالم وهو يخطو في الرياض، اعترافاً صريحاً ومتكاملاً بأن هذه البلاد قيادة وحكومة وشعباً تملك المفاتيح السحرية لحل مشكلات العالم الراهنة بكل ما تمتلكه من مقومات وركائز تجعلها منصّة رئيسية للتغلب على أعتى مشكلة تواجه عالمنا المتحضر في الوقت الراهن، ألا وهي مشكلة الإرهاب والتطرف.. بعيداً عن عُقَد الماضي وتأويلاته التي ظل كثيرون منا أسرى لمفاهيمها المغلوطة والخاطئة. وما انعقاد القمم الثلاث في الرياض إلا تأكيد على استعادة الدور الأميركي النشط في المنطقة بفهم جديد، لدى إدارة جديدة استوعبت تداعيات المشهد في السنوات الأخيرة، وسعت نحو الشراكة لا الهيمنة، والتعاون بدلاً عن التصارع.. وبالتالي فإن التحديات الجديدة لا يمكن مواجهتها بنفس اللغة الخشبية القديمة، والتي كانت تقوم على المتاجرة بالشعارات ودغدغة مشاعر الشعوب. ربما كان موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من مشروع الهيمنة الإيراني، هو رمانة الميزان نحو الموقف الخليجي اللافت تجاه التصعيدات الإيرانية العدوانية التي تهدد المنطقة بأسرها، كما أنه أيضاً بمثابة محاولة أميركية جادة لتصحيح المواقف السلبية لإدارة الرئيس السابق أوباما، لذا استطاعت قيادتنا بذكاء تحويل النظرة نحو الآخر ليكون شريكاً لا عدوّاً، واستثمار مفاتيح قوته لتكون عوناً لا خنجراً بمواجهة كل التحديات. وبعيداً عن المظاهر الأخرى، يمكننا أن نفهم أيضاً دلالات قدوم الرئيس الأميركي للرياض واختيارها كمحطة أولى لأولى جولاته الخارجية، إدراكاً من إدارته لأهمية البوابة السعودية في الولوج للعالمين العربي والإسلامي لتحسين صورتها الذهنية في المنطقة، وهي محطة لم تأت من فراغ، ولكنها إقرار علني بشرعية ما تمتلكه المملكة من رصيد وجداني وقدرة اقتصادية وعلاقات رصينة متعددة الأطراف، يمكنها أن تعيد للعرب دورهم في حماية دولهم واستقرارهم عقب سنوات من كونهم أرضاً للصراعات والتدخلات وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. اللافت أن المملكة نجحت بشكل منقطع النظير، في الإمساك بدفة التحولات الجديدة في المنطقة، إن لم يكن قيادتها، لإزالة كل الالتباسات والمغالطات، وبناء تحالفات تنهي إشكاليات العقود السابقة. باختصار خطفت السعودية الأنظار في مواجهة التحديات، ولم يبق سوى قطف الثمرات، وهذه لن تكون بسهولة.