مقالات انهمرت في الإعلام الأميركي خلال الأيام القليلة الماضية تتجادل حول الدور السعودي في المنطقة، بعد أن كانت في السابق تستنتج أن دورها غائب خارج حدودها. هل نكأها الموقف السعودي الرسمي الصريح المؤيد للتغيير في مصر؟ أم أنها زيارة رئيس الاستخبارات السعودية إلى موسكو، وما شاع حول تطوير العلاقة مع روسيا؟ أم قبله، عندما جرى تغيير قيادة الثورة السورية في مطلع الشهر الماضي، وقيل إن ذلك جهز في المطبخ السعودي؟ طبعا، كل هذه الأحداث تقع في دائرة الجغرافيا السعودية، وليس كثيرا أن يكون لها تأثير، أو حضور، وهناك دول يدها طويلة في هذه الدائرة، من إيران غير العربية، إلى قطر الصغيرة، تفعل الشيء نفسه! وليس كل ما كُتب يستحق النقاش. رأيان متناقضان بعض الشيء في الـ«نيويورك تايمز»؛ الأول لدينيس روس، والثاني لبروس رايدلي، وكلاهما يعرف المنطقة مثل راحة يده. دينيس، الذي عمل نائبا لوزيرة الخارجية وكذلك في الأمن القومي، يثير تساؤلا: «هل سياستنا تجعل السعودية حليفا استراتيجيا في المنطقة لأميركا أم حليفا خطيرا ضدها؟». ثم يضع الأزمة في إطارها بأن السعودية وجدت نفسها بسبب الغياب الأميركي مهدَدة شرقا وغربا. إيران نووية، ومصر إخوانية. فقد اعتلى السلطة «الإخوان المسلمون»، وهم تاريخيا حلفاء إيران. فور تسلمهم السلطة ديمقراطيا مدت السعودية يدها لحكومة الرئيس محمد مرسي، مهنئة، ودعمته بثلاثة مليارات دولار، واستقبلته في جدة بترحاب فاجأ «الإخوان» أنفسهم. لكن مرسي ما لبث أن اتجه إلى إيران، وفتح الباب لأحمدي نجاد، كأول رئيس إيراني يطأ القاهرة منذ ثورة الخميني! في صراع المنطقة، تستطيع الولايات المتحدة تغيير تحالفاتها، كما فعلت في العراق، لكن دول المنطقة لا تملك هذا الترف. وبالنسبة للرياض أصبح الوضع مرعبا، فإيران خامنئي شرقها، ومصر الإخوانية الإيرانيو الهوى غربها، وعراق المالكي الإيراني شمالها. حصار ضد السعودية لم يسبق له مثيل في تاريخ المنطقة! كما أن إفشال الثورة الشعبية في سوريا يعني أيضا تمكين إيران من الهيمنة شبه الكاملة على خريطة المنطقة؛ العراق وسوريا ولبنان وغزة ومصر والسودان، أمر يستحيل أن تستسلم له السعودية مهما سبّب من توتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة. دينيس روس الذي يتفهم هذا الجانب، وفق تفسيري له، يعتقد أن الحل ليس في توسيع الخلاف مع الرياض، بل الاستفادة من أفضل ما عند السعوديين، وهو نفوذهم الهائل في المنطقة، والتأثير على العسكر في مصر إيجابيا، بالتحول ديمقراطيا. أما بروس رايدلي، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية وسبق أن كلفه الرئيس باراك أوباما بمهام رئيسة، فقد كتب بإيجاز شديد أفضل توصيف للعلاقة المتطابقة المتناقضة التي سأكمل الحديث عنها في عمود الغد. alrashed@asharqalawsat.com