يعرف التعسف الوظيفي بأنه قيام جهة العمل باستهداف فئة من العاملين بإجراءات انتقائية لاعتبارات شخصية ليس لها صلة بأداء الموظفين أو بالنتائج المحققة، وفي الوقت الذي يحتدم فيه النقاش، سواء في المجتمع أو عبر مختلف وسائل الإعلام، حول جهود السعودة وخلق فرص عمل للمواطنين ومدى فعالية آليات وبرامج وزارة العمل لتوطين الوظائف، ثمة حوار من نوع آخر يدور تحت قبة مجلس الشورى وداخل أروقة وكواليس العديد من المؤسسات الوطنية الكبرى حول التعديلات المقترحة على نظام العمل، مع الأمل بأن يؤدي نتائج تلك النقاشات لسد ثغرة التعسف الوظيفي الناجم عن انتهاج بعض المؤسسات سياسات تمييزية ضد فئة من موظفيها، باستخدام أدوات مختلفة، من أبرزها إساءة استخدام السلطة من قبل بعض كبار موظفي الشركة، وإقصاء مجموعة من العاملين الأكفاء بدون أسباب موضوعية، وعدم الالتزام ببعض أنظمة وزارة العمل، والتعدي على اختصاصات مسؤولي بعض أقسام الشركة، واتخاذ قرارات هامة تختص بأقسامهم دون الرجوع إليهم، وتكريس الولاء المطلق للأشخاص عوضا عن الشركة ومصالحها، وذلك في مقابل استحواذ موظفين على النصيب الأكبر من المزايا المادية والامتيازات العينية والتمكين المفرط، هذا فضلا عن قيام مسؤولي تلك المؤسسات بتفويض بعض كبار موظفيهم صلاحيات كبيرة لا تتناسب مع طبيعة أعمالهم وتخولهم إجهاض جهود السعودة والإضرار بالعاملين المستهدفين بشكل بالغ؛ قد يصل إلى حد الفصل المفاجئ وغير المسبب. والمؤكد أن تزايد حالات التعسف الوظيفي وتكرار حدوثها في شركة ما؛ هو بمثابة مؤشر واضح الدلالة على وجود خلل في تطبيق المؤسسة لمبدأ الحوكمة المؤسساتية. ومما لا شك فيه فإن مخاطر غياب الحاكمية الرشيدة في أعمال المؤسسات لا تقتصر على قضايا التمييز ضد الموظفين، بل من الممكن أن تتعداها إلى حصول خروقات مالية ورقابية واستثمارية وإدارية وتشغيلية قد تكون غير مقصودة، ولكنها تؤثر على سمعة الشركة وعلى ربحيتها وعلى مصالح حملة أسهمها، ويتطلب تصحيحها مبادرة الملاك إلى سن وتطبيق أنظمة أكثر كفاءة وموثوقية لحماية تلك الاستثمارات. ومن الأمثلة التي أمكن رصدها لخلل الحاكمية في بعض الشركات هي ــ على سبيل المثال ــ استئثار مسؤول واحد «غير ذي صلة» بحزمة من الصلاحيات الرئيسية تشمل تخويله اتخاذ قرارات هامة كالتعيين والفصل، وإنهاء خدمات الموظفين، وتكليف التنفيذيين بمهام العمل، والمشاركة في إقرار الرعايات، واعتماد دورات التدريب للعاملين، ولعل الأخطر من كل ذلك تخويله صلاحية البت في خلافات وتظلمات وشكاوى الموظفين حتى وإن كان هو نفسة خصما فيها أو كان أحد أطرافها! الأمر الذي يشكل بيئة خصبة للتجاوزات الإدارية. ومن الأسباب الأكثر شيوعا للمواقف العدائية المؤسسية تجاه الموظفين ما يلي: • المطالبة بالحقوق: مطالبة العاملين بحقوقهم المادية والأدبية التي حرموا منها أو التي تم انتقاصها بغير وجه حق، والتي تكفلها لهم الأنظمة الداخلية والعمالية مثل فرص الترقي الوظيفي، ولا سيما حينما تتواجد الشواغر المناسبة مع تحليهم بالكفاءات والخبرات والمتطلبات اللازمة للترقي، والحصول على المزايا المالية التي يستحقونها بناء على نتائج أعمالهم، وحرمانهم من حق الحصول على ألقاب وظيفية. • رفض التهميش: رغبة أولئك العاملين في استرجاع أدوارهم الوظيفية التي تم إفراغها من مضامينها من قبل بعض كبار المتنفذين في الشركة، وذلك لأسباب شخصية بهدف تهميشهم وإقصائهم ــ وظيفيا ــ بعد أن تطلب وصولهم لتلك الوظائف سنوات من المثابرة والعمل الدؤوب. • اختلاف الآراء: ضيق بعض تنفيذيي المؤسسة من الآراء التي قد يبديها المرؤوسون في جوانب متعلقة بالعمل حتى وإن كانت تلك الآراء أكثر مهنية وأدعى لتحقيق الأهداف التي تصب في مصلحة المؤسسة وحملة أسهمها؛ لأن أولئك الرؤساء يفضلون من يوافقهم الرأي دائما ولا يتجرأ على إبداء وجهات نظر مختلفة عن آرائهم. • الاستفزاز والانتقاص: رفض الموظفين للسلوك الذي يصدر عن بعض الرؤساء، والذي يتميز بالاستفزاز أو غير المهنية أو ينتقص من كرامة الأفراد. • الاستعلاء والمحاباة: هذا إضافة إلى النزعة الشخصية لدى بعض قياديي الشركة إلى التعالي، ومحاباة المقربين، والمكابرة التي تتجلى في عدم استعدادهم للاعتراف بأخطائهم أو التراجع عن قراراتهم بعد أن تتبين نتائجها وتبعاتها السلبية، وتجاهلهم تصحيحها خشية أن يوصموا بالضعف واللين!. ويأخذ التمييز الوظيفي أشكالا متعددة منها: • حجب الترقيات المستحقة منذ سنوات. • وقف الزيادات السنوية لعدة أعوام بدون مبرر موضوعي. • انعدام أو ضآلة الحوافز المالية مقارنة بالنتائج والإنجازات المحققة. • عدم عدالة تقييم الأداء السنوي، بل وتعمد تخفيضه من قبل كبار الموظفين بدون مسوغات نظامية، وبعد أن يكون قد تم اعتماده من المرجعيات الإدارية المباشرة للموظف المستهدف. • عدم الموافقة على برامج التطوير الذاتي والدورات التدريبية المعتمدة للموظفين في الميزانيات وخطط العمل السنوية. • مصادرة الحقوق الأدبية؛ كالحق في تمثيل المؤسسة، أو الحق في الحصول على لقب مؤسسي ،وهو غير المسمى الوظيفي (إذا كانت طبيعة الوظيفة تسمح بذلك). • محاولة طمس إنجازات الموظفين التي يمكن لمس نتائجها الإيجابية بوضوح، سواء داخل المؤسسة أو خارجها. وسوف أستكمل في مقال قادم بعض الآليات التي يمكن من خلالها تحجيم مثل هذه الممارسات. gbadkook@yahoo.com