يواجه المنجز التراثي الكثير من التحديات؛ المعنوي منها والمادي، فمن هذه التحديات المعنوية ما يبدو واضحاً من تباعد بين حواضنه الزمانية، وتعاقب الحقب، وتجاهل الأجيال، أما التحدي المادي فإنه يتجسّد بأنواع من العبث ومحاولات التغيير في هوية هذا المنجز الإنساني، أو طمسه، أو إزالته، لجهل أو لاعتبارات واهية، فلنضرب مثالاً بالأسواق الشعبية وما تواجهه من ادعاءات مادية على نحو السعي لاستغلال الأراضي التي تقوم عليها بعض هذه الأسواق تجارياً، أو في نزاعات المُلَّاك الذين لا يظهر أمامهم سوى أنّ هذا السوق القديم أو ذاك يقع بمكان تجاري مناسب وحسب! أما سُبُل المحافظة على هذه الأسواق الشعبية القديمة، فإنه يتمثل في حصرها وصيانتها وتضافر جهود الجهات المعنية في شأن التراث للعناية بهذا الإرث القديم، ومن هذه الجهات هيئة السياحة والآثار التي يقع عليها العبء الأكبر، على نحو دورها في التخطيط والتقييم، ومعرفة إمكانية الاستفادة من هذه الأسواق كواجهات سياحية، وكذلك وزارة الشؤون البلدية والقروية لدراسة وتقييم بيئتها الإنشائية وهيكلتها كمعالم حضارية، ومن ثم دور وزارة المالية الذي يتلخص بالحصر ونزع الملكيات من خلال التعويض المادي المناسب. أما وزارة النقل فإنها معنية في الإسهام في جانب من رعاية الأسواق الشعبية وخدمتها في القرى والأرياف؛ حينما تذلل المصاعب التي تواجه من يريدون أن يصلوا إليها من خلال توفير الخدمات على الطرق البرية، ومحطات الوقود، وصيانة الطرق الزراعية التي يمكن أن تسهل المهمة للباحث عن هذه الأسواق الشعبية في مناطق مختلفة، إضافة إلى جهات خدمية أخرى، ولا ننسى دور المجتمع وتعاونه من أجل المحافظة على هوية «الأسواق الشعبية» وضمان بقائها أطول مدة ممكنة. وما يلاحظ أيضاً أنّ بعض من يمتلكون مثل هذه المرافق والأسواق أو المباني الأثرية؛ نراهم غالباً ما يتجاهلونها ويبتعدون عنها، أو يتعاملون معها بإهمال، ولكن ما أن يروا أنّ هناك من يطلبها لأغراض الحفاظ على التراث وتطوير السياحة فإنهم يتشبثون بها، ويبالغون في رفع أسعارها، وهذا ما قد يحد من إمكانية نزع هذه الملكيات لصالح التراث والآثار. فالأسواق الشعبية، إضافة إلى كونها مصدر رزق لمن يقيمون فيها ويعرضون سلعهم ومشغولاتهم، فإنها علامة تراثية مميزة، تزيد من الإقبال على المدن، وتعزز حضور الناس إليها، لا سيما لمن يريد أن يتسوق مقتنيات تراثية مناسبة، أو ذات طابع شخصي، فهذه الأسواق لها دورها الاقتصادي المهم في جعل هؤلاء المشتغلين في الحرف يقبلون عليها، ويعرضون من خلالها إنتاجهم اليدوي، ومقتنياتهم التراثية. فالأسواق الشعبية لا شك أنها بحاجة إلى بيئة مناسبة، وبنية تحتية متكاملة، تشترك في تهيئتها - كما أسلفنا - الكثير من الجهات الخدمية، وذلك من خلال تنمية ما حولها من منشآت وأحياء، من أجل أن تكون بيئة هذه المواقع صالحة للإقامة، والعمل، من أجل أن يتفاعل أهل المهن والمهتمون بالتراث مع هذه الأسواق، وجعلها مصدراً من مصادر العمل الاقتصادي، إضافة إلى كونها حالة جمالية، توثق التراث العمراني، مع العمل على معايير فنية مهمة لأنشطة هذه الأسواق الشعبية، والتماشي مع متطلبات ولوائح المنظمات الدولية على نحو اليونسكو، وغيرها من المنظمات التي ترعى المدن القديمة والمناطق التراثية.