×
محافظة حائل

أمطار رعدية مصحوبة برياح مثيرة للأتربة على معظم مناطق السعودية

صورة الخبر

ربما لا شيء يشغل بال منطقة الشرق الأوسط حاضراً أكثر من المسار المعقّد لفيروس «كورونا» المُسبّب لـ «الالتهاب التنفسي الشرق أوسطي» Middle East Respiratory Syndrome، واختصاراً «كورونا-ميرس» MERS- Corona. وثمة ميل واسع علميّاً لاعتبار الإبل مصدراً لهذا الوباء، الذي ربما دخل مرحلة الانتشار المباشر بين البشر. وفي الذاكرة العلميّة، أن الجنس البشري يتعرض بصورة متكرّرة إلى فيروسات، خصوصاً من نوع «كورونا» المتّصل بالإنفلونزا، تقفز إليهم من الحيوانات. إذ يندرج في هذه القائمة فيروس «الإنفلونزا الإسبانيّة» في 1918 الذي قتل قرابة 50 مليون شخص، و«الإنفلونزا الآسيوية» (1958) وقتلت ثلثي مليوناً، و «إنفلونزا هونغ كونغ» (1968) وفتكت بـ 700 ألف شخص، و «الإنفلونزا الروسيّة» (1977) وموجتي «إنفلونزا من هونغ كونغ» في 1977 و1999 و «إنفلونزا الطيور» في 2003 وغيرها. وفي المقابل، هناك فيروسات لا تنتمي إلى أنواع الإنفلونزا انتقلت أيضاً من الحيوانات، لعل أشهرها هو فيروس «نقص المناعة المكتسبة» («الإيدز») الذي يسببه فيروس «أتش آي في» HIV. ويلفت أن الفيروس الذي سبب الإنفلونزا الإسبانيّة حمل شبهاً قوياً مع فيروس «إنفلونزا الطيور»، إلى حدّ أن علماء بريطانيين، مثل الدكتور جون أُكسفورد، استخرجوا رفاتاً لبعض من توفوا في سياق «الإنفلونزا الإسبانيّة» كي يحصلوا على معلومات عن «إنفلونزا الطيور».   انكسارات في حواجز الطبيعة عند كل وباء من هذا النوع، يُذكّر العلماء بأن هنالك حاجزاً طبيعياً بين الحيوانات والبشر، فلا يسهل انتقال الفيروسات بينهما. وتحدث الاستثناءات لأسباب شتى، تتطلب معالجة مسهبة. وفي المقابل، من المستطاع القول بأن الظروف التي تجمع أجساد البشر والحيوانات (بعبارة أدق البيئة)، تشكّل أهم العناصر في ضبط تنقّل الأوبئة بين الإنسان والحيوان. وكلما اضطربت البيئة، كلما اشتدت قدرة الفيروسات والميكروبات، على كسر الحاجز الطبيعي بين الحيوان والإنسان. وتتميّز الأزمنة الحديثة بالاضطراب الهائل في البيئة. ويضاف إليه التخلخل في البيئة البشرية كالهجرات القسرية بفعل التصحر، وكثافة تنقل البشر، واللجوء إلى أساليب التدجين المُكثف التي تضعف الحيوانات وتُسهل انتفال الأوبئة. وتلقي هذه العوامل بضغوط غير مألوفة على الحاجز الطبيعي بين البشر والحيوانات، بل حتى بين الحيوانات أيضاً. إذاً، هزّت يد البشر البيئة فتحوّلت من حاضن طبيعي للجنس البشري إلى مصدر تهديد مقلق يبعث بأمراض فتّاكة. وفي كل مرّة يظهر فيروس جديد ويضرب البشر، يسود الخوف من الأسوأ، لأن أجسام الناس لا تملك خبرة في التعامل مع ذلك الجديد، فتغدو ضعيفة أمامه. وعلمياً، تسمى الظاهرة انخفاض «مناعة القطيع» Herd Immunity مع التنبيه إلى أن المقصود هنا هو القطيع الإنساني، حتى لو تعجب التسمية بعض الناس! وفي مطلع القرن العشرين، أي عند التبلور الأول للمجتمعات الصناعيّة الحديثة، قفز فيروس من عالم الحيوان (من الطيور) إلى عالم البشر. وحينها، حدثت موجة «الإنفلونزا الإسبانيّة» الشهيرة. إذاً، مع بدء تاريخ المجتمعات الصناعية، اضطربت العلاقة بين عالمي البشر والحيوان إلى حد إطلاق وباء مميت وكاسح. وقبيل نهاية القرن عينه، تحديداً في ثمانينات القرن العشرين، حدث أمر مشابه. ومع انطلاقة العولمة المعاصرة، شهدت العلاقة الطبيعية الوطيدة بين عالمي الإنسان والحيوان، اهتزازاً هائلاً. وحينها، انطلق وباء الأيدز بفيروس «أتش آي في» الذي قفز من القردة إلى البشر، بحسب ما يميل إليه رأي معظم العلماء.   أوبئة لقرن مجهول قبل أن يختتم القرن العشرين، شهدت بريطانيا ظاهرة لم تكن مألوفة أبداً: وباء جنون البقر. لم يكن أنه انتشر بصورة غير مألوفة بين المواشي، بل أنه عبر تلك الحدود التي صارت هشّة بين جسدي الحيوان والإنسان. لعبت يد العولمة دوراً أساسياً في تفشي جنون البقر. إذ أنه مرض يرتبط مع عنصر ذي تركيب فيروسي يدعى «بريون» Prion، يوجد في الحيوان والإنسان. وأدّى التدجين المُكثّف للحيوانات في الغرب، إلى إخراج المواشي من تاريخ تطوّرها الطبيعي. والحال أن التدجين ابتدأ مع استقرار المجتمعات البشرية الأولى وممارستها الزراعة والرعي، قبل نحو 12 ألف سنة. ومثّلت الأبقار والأغنام والخراف طليعة الحيوانات التي نجح الإنسان في تدجينها. وعلى رغم عيشها في المزارع، إلا أنها كانت قريبة من بيئتها ومصادر غذائها الطبيعيين. ومثّلت الثورة الصناعية، ثم الانتشار العميم للكهرباء، نقطة تحوّل في العلاقة مع المواشي. وباتت القطعان تعيش حياتها في المزارع، من دون اتصال حقيقي مع الطبيعة. في بداية القرن 21، شهد العالم مذبحة هائلة: إنها «الحُمى القلاعيّة» Mouth Foot Disease التي انطلقت من بريطانيا. وهذه المرّة، لم يوارب أحد في العلاقة بين التدجين المُكثّف وبين الانتشار الصاروخي للمرض. وسرت «الحُمى القلاعيّة» بسرعة البرق، في دول عدة. وعبرت حدود القارات بسهولة ويسر. وسهّلت العولمة ذلك الانتقال، خصوصاً مع الحركة الكثيفة لتصدير المواشي واستيرادها. ومع تحوّل الحيوانات إلى مجرد بضائع، صار انتقال الأوبئة الفيروسية أكثر يُسراً من ذي قبل. وفي موجة «الحمى القلاعية» في عام 2002، أحرقت ملايين الحيوانات، بعد قتلها، لأن بقاياها يمكن أن تنقل ذلك الفيروس. برهن ذلك الوباء أيضاً على أهمية الحدود الجغرافية. وجرت معظم إجراءات الوقاية على الحدود، على غرار تعقيم وسائل المواصلات والبضائع، على عكس ما روّجه المتحمسون للعولمة المنفلتة طويلاً. وللحديث بقيّة. كوروناعلوم وتكنولوجيا