×
محافظة تبوك

مجلس الوزراء: نقل مقر اللجنة الدائمة للتحكيم إلى “مجلس الغرف” بدلا من “العدل”

صورة الخبر

على رغم الصدمة الفورية التي أحدثها الإفراج عن الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، المثبت عليه اتهام إدخال متفجرات من سورية إلى لبنان لتنفيذ عمليات اغتيال ضد سياسيين ومواطنين عاديين، يتعين التسلح بشيء من القسوة والكثير من اليأس، لإعادة النظر بالمسألة برمتها من زاوية أوسع. زاوية، لا يعود فيها سماحة نفسه أكثر من حدث هامشي بشع من جملة أحداث أبشع وأفظع. فمنذ لحظة توقيف الرجل في 2012 في تلك المداهمة الهوليوودية، واستسهال توجيه التهم إليه، وإلى مشغله السوري علي مملوك، لا بل استدعاء الأخير للمثول أمام القضاء اللبناني!، وتسريب شريط مصور يورط مملوك وبشار الأسد شخصياً، ثم فصل الملفّين وتبرئة سماحة بقرار محكمة عسكرية اتخذ بالإجماع المطلق، تغيرت معادلات كثيرة تفضي بغالبيتها إلى نهايات غير سعيدة ولا متوقعة من هذا النوع. ففي 2012، وعلى رغم بداية تعثر الثورة السورية، لاح اقتراب نهاية حكم بشار الأسد أو على الأقل سحب الغطاء الدولي عنه وتضعضع أركانه. وتنفس خصومه اللبنانيون الصعداء، فشعروا أن ما لم تنجزه «ثورة الأرز» والمحكمة الدولية وغيرهما، ستنجزه لا محالة ثورة الشعب السوري ضده. كانت برهة أو أقل ربما، لكنها بدت كافية آنذاك لإطلاق تصفية بعض الحسابات اللبنانية العالقة لدى النظام السوري، أو وضعها على تلك السكة. لكن في 2012، لم يكن انخراط «حزب الله» في سورية بلغ ما بلغه اليوم من علانية وسطوة و»إنجاز ميداني»، ولا قاسم سليماني كان قد أصبح ناطقاً شبه رسمي بلسان السياسة الخارجية اللبنانية، ولا كانت «الأزمة» السورية تدولت بدخول الروس والإيرانيين وغيرهم إليها... ولا كانت حتى «داعش» أقامت خلافتها بعد. 4 سنوات أو أقل بقليل، تغيرت خلالها موازين قوى كثيرة، ورسمت خرائط جديدة، واندلعت حرب اليمن مستدرجة القطبين اللدودين في المنطقة إلى مواجهات عسكرية مباشرة، بدلاً من «حروب سياسية بالوكالة» دارت رحاها جزئياً على الساحة اللبنانية. سنوات قليلة كانت كفيلة بجعل سماحة يدخل إلى السجن في 2012 «محرجاً» ونادماً عن «الخطأ الفادح» الذي ارتكبه على ما قال بنفسه خلال التحقيق معه، غير متورع عن تسمية «علي (مملوك) والرئيس (الأسد)» كأبرز المتورطين معه والداعمين له، ليخرج علينا بالأمس متوعداً باستئناف نشاطه السياسي، ومتهماً من يعترض عليه بدعم «داعش». لا بل أكثر من ذلك، بتنا نحن المعترضين على حكم المحكمة والرافضين له مجرد «انتقائيين» محبين لـ «النكد» على ما قال النائب «المرح» عن حزب الله محمد رعد. لكن الواقع أن سماحة لم يبالغ حين عبر عن رغبته في استعادة دور سياسي ما. فهو مدرك تماماً أن السياسة المقبلة علينا تدار بهذه الأدوات تحديداً وكل ما عداها مجرد ميل للنكد وحب للدراما لا يؤتي ثمره. وفي ذلك ما يلخص حالنا وحال السوريين مثلنا أبلغ تلخيص. فها هو بشار الأسد يذهب اليوم إلى طاولة المفاوضات، وحلفاؤه الروس هم من يشاركون في وضع أسماء ممثلي المعارضة، ونظامه مرجحٌ أن يبقى مرحلة انتقالية إضافية «حفاظاً على مؤسسات الدولة ومنعاً لانهيارها»، ومنعاً لتكرار ما حدث في التجربة العراقية مع «اجتثاث البعث». تلك المؤسسات التي تبدأ بقطاع تعليم يؤبّد القائد، وجيش «علماني» يبيد شعبه، مستعيناً بميليشيات «طائفية» تمارس التهجير المنهجي والتجويع، ولا تنتهي عند أفرع أمن تصفّي نزلاءها، وقضاء يرسل المئات إلى إعدامات سريعة، وطبابة عسكرية توثق وتصور وتتحقق من أسباب السكتات الدماغية، كلها وأكثر مما يجب الحفاظ عليه وتعميم فائدته. وإذ ذاك، يقتضي حسن الجوار رد الجميل لحلفاء النظام السوري من اللبنانيين ممن بذلوا دماءهم لإنجاح هذه التجربة، وذلك بالحفاظ على «مؤسسات» دولتهم أيضاً. ولم لا إعادة هيكلتها بما تقتضيه المستجدات الراهنة والانتصارات الميدانية ونقل التجربة من مأسسة الاهتراء والفساد والقتل، أو كما أسماها مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» نديم حوري أبلغ تسمية، «بيروقراطية الموت». ذلك هو السياق الوحيد الذي يمكن إدراج قضية/ فضيحة ميشال سماحة فيه. إنه جزء صغير من سياسة عامة، داخلية وخارجية ينتهجها بشار الأسد في سورية، و»حزب الله» في لبنان، ولم تجد من يتصدى لها محلياً أو دولياً، فما عاد أحد منهما معنياً بتبريرها أو عدم حرق المراكب من خلفها. فلا هذا ولا ذاك منشغل اليوم بالتفكير في إمكانية العيش مع الآخر، أي آخر، ضمن حيز بلد واحد، على رغم إعلان حسن النوايا في إطلاق المفاوضات. لكن هل لمن بلع مضايا ومجازر الكيماوي وفضائح «سيزار»، وسلك طريق القدس من تحت شرفاتنا، أن يغص بميشال سماحة حراً طليقاً؟ بالعكس تماماً. ربما يستحق منا الرجل اعتذاراً عن خطأ في الحسابات الإقليمية ادى به إلى ذلك «الاعتقال التعسفي» في 2012، فيما لم يبق اليوم من مبرر «منطقي» لاحتجازه بينما سيده متربع على كرسي رئاسي في قصر المهاجرين.