جفت أقلامي من كثر ما تناولت الشأن الصحي في منطقة مكة المكرمة والوطن بشكل عام في هذه الصحيفة المحترمة على مدار عامين، واتهمت ممن لا يفقه بأنني متحامل على البعض بشكل شخصي ومستهدف القيادات الصحية، لدرجة أنه وصلني لمقر عملي (بعد أن فاض بهم الكيل) خطاب رسمي يطلبني للتحقيق في مقال كتبته عن التأخر في صرف البدلات للموظفين وعدم اتباع الشفافية في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية (طبعا رفضت هذا التحقيق ورددت على مسؤولي الصحة مفندا هذه الادعاءات بفاكس أرسلته في ثلاث صفحات)، لم يكن لدي مطامع أو دافع شخصي لهذا النقد ولكنني أعرف أكثر من غيري منظومة الرعاية الصحية المترهلة وكيف تدار الأمور في هذه الوزارة الخدمية الهامة، تكلمت عن تهميش الكفاءات الوطنية التي ابتعثت لأرقى الجامعات العالمية وعدم الاستفادة المثلى منهم، كتبت عن طول المواعيد في المستشفيات وكيف أن المريض قد يدركه الموت قبل الحصول على خدمة علاجية ضرورية، تحدثت عن أن مدينة جدة حرمت من منشآت صحية ضرورية (مستشفيات ومراكز صحية أولية) بسبب ما كان يدعى أنه شح في الأراضي، حيث لم ينشأ في مدينة جدة منذ ثلاثين عاما أي مستشفى سوى مستشفى شرق وشمال جدة المتعثرين، كان المسؤولون دوما يتحججون بشح الأراضي، ولكن علمت من زملاء مخضرمين أن كثيرا من أراضي وزارة الصحة ضاعت منها عبر السنين ونشرت هذه المعلومة في مقالي الأسبوعي، وتحدثت بها صراحة إلى معالي الوزير السابق وبحضور نائبيه ووكلائه وبعض كتاب الرأي في مكتبه، وطلب مني أمامهم إذا كان لدي معلومات أن أرسلها له شخصيا، كان ذلك في نهاية حج العام الماضي، تحمست كثيرا وصرت أراسل جميع الزملاء ومن تقاعدوا عن معلومات أكثر، جهـزت قائمة بمواقع ومساحات هذه الأراضي وأرسلتها بالفاكس الرسمي لمكتب معاليه في جدة والرياض، مرت الشهور ولم يتصل بي أحد ويناقشني في هذه المعلومات حتى أصابني الإحباط!!. وفوجئت الأسبوع المنصرم وفي خضم معاناة المجتمع من إنفلونزا كورونا بخبر نشر على لسان مسؤول في صحة المدينة، مفاده أن الوزارة قد تعاقب مسربي الوثائق السرية بالسجن، وأنا ضد تسريب الوثائق والمعلومات السرية، ولكن توقيت الإشارة إلى ذلك ونحن نعاني هذه الأزمة لم يكن موفقا في نظري، استفزني هذا الخبر وكتبت مقالا عنونته «نحن سبب انتشار كورونا !!». وفي الختام، من المهم أن نعلم أن وزارة الصحة في مفترق طرق، وولي الأمر ــ يحفظه الله ــ وجه الوزير المكلف ببذل كل ما يمكن للمحافظة على صحة وسلامة المواطنين، وأنا أرجو منه أن يبدأ بتطهير وزارته داخليا من الفساد وأهله، وأن يستفيد من الخبرات الوطنية في محاربة كورونا، وقد بدأ بتكليف الدكتور الخبير طارق مدني، وأن نتعلم من دروس وأخطاء الماضي فيبدو لي أننا لم نستفد شيئا من وباء إنفلونزا الخنازير الذي عانينا منه قبل أربعة أعوام!!.