يبدو أن فيروس كورونا في طريقه ليدخل التاريخ السعودي بطريقته الخاصة. فبغض النظر عن الزاوية الطبية التي لا تزال ساخنة بغياب المعلومات الكافية عن الفيروس، وغياب أي لقاح أو علاج له حتى الآن، وبغض النظر عن الإجراءات المتبعة للوقاية و العزل للمرضى. فهناك زاوية أخرى لا تقل إثارة عن الزاوية الطبية تتمثل في الجانب الاجتماعي وطريقة تفاعل السعوديين كأفراد ومجتمع مع الأحداث المصاحبة لظهور المرض. ربما هي المرة الأولى التي يتحول فيها حدث طبي إلى قضية اجتماعية ساخنة، زاد من حرارتها طريقة تعاطي إدارة الدكتور الربيعة مع الأزمة فزادتها تعقيداً واحتقاناً. سخط واحتجاج اجتماعي عارم ليس على غلاء الأسعار أو شح الوظائف أو لأن الراتب لا يكفي الحاجة. السخط كان مميزاً ونوعياً هذه المرة.. سخط يقول (المعلومة لا تكفي الحاجة).. و (من حقنا أن نعرف الحقيقة كاملة دون تجميل) بلغ السيل الزبى مع سياسة التكتيم والتطمين الباردة التي مارستها وزارة الصحة لسنوات، وتجاوزتها لتمارس التطنيش والتجاهل في حالات أخرى حتى وجدت نفسها دون أن تدرك أمام ثورة رأي عام صلبة لا تقبل أي تجاوب أو تفاعل يأتي حين يأتي قليلاً جداً ومتأخراً جداً. سيذكر التاريخ السعودي أن وزير الصحة الطبيب البارع تمت تنحيته ليحل محله مهندس لا علاقة له بالطب، في وسط المواجهة مع فيروس غامض لا يعرف العلم عنه إلا القليل، ومع ذلك رحّب المجتمع بتلك الخطوة أوسع ترحيب. سيذكر التاريخ كذلك أنه بمجرد تنحية الوزير الطبيب انخفضت حدة الشائعات، وزادت الثقة عند الناس وارتفع معيار التفاؤل بتجاوز الأزمة رغم الارتفاع المفاجئ في عدد الحالات التي أصبح يعلن عنها كل يوم التي يبدي الكثير يقينهم بأنها كانت كذلك منذ البداية لكن سياسة التعتيم السابقة هي السبب في ذلك التفاوت. الوزير المهندس زار المستشفى مركز العدوى في جدة في أول يوم من توليه، وخاطب المواطنين مباشرة من هناك في حين فضّل الوزير الطبيب البقاء في الرياض واستصدار قرار بحظر النشر عن المرض واكتفى بخطاب مسجل عبر اليوتيوب في عز الأزمة. مازالت في قصة كورونا فصول أخرى قادمة، ومازالت خريطة المرض غامضة ومقلقة لكننا نسأل الله أن يرفع عنا البلاء وأن يلهم الوزير المهندس الطريق الصحيح للتعامل مع المرض علمياً بعد أن ألهمه الصواب إعلامياً.