لطالما كانت قصص حياة العظماء مادة سينمائية غنية عبر التاريخ، وخلال الخمس السنوات الماضية لاحظنا أن هوليوود اهتمت كثيراً بقصص عمالقة التكنولوجيا كونها مادة دسمة تجسدها على الشاشة الكبيرة، فبعد فيلم The Social Network عام 2010 حول مارك زوكربرغ مؤسس فيسبوك، تأتينا المحاولة الثالثة خلال عامين لسرد قصة ستيف جوبز مؤسس شركة آبل والرجل الذي يقف خلف معظم الاختراعات التي نراها بين أيدينا اليوم. ولعل معظم المهتمين بهذا العمل سيشاهدونه إجلالاً للشخص الذي كان سبباً لوجود آيفون وآيباد لكن رصدنا لهذا الفيلم سبقه سؤال محير: ما الذي جعل المخرج الأميركي ديفيد فينشر ينسحب من العمل ليقع في يد المخرج الإنجليزي داني بويل؟ لو لم ينسحب فينشر لكان هذا الفيلم هو ثاني تعاون له مع الكاتب آندي سوركن بعد الفيلم المذكور في الفقرة السابقة خصوصاً أن الأخير أثبت أنه أفضل شخص في هوليوود يقتبس السير الذاتية لعمالقة التكنولوجيا للسينما. مراحل فيلم ستيف جوبز من إخراج الإنجليزي داني بويل وبطولة مايكل فاسبيندر يتناول حياة مؤسس آبل من خلال 3 مراحل فقط يبدو أنها هي الأهم من وجهة نظر صناع الفيلم. يبدأ الفيلم في المرحلة الأولى عام 1984 في الدقائق الأخيرة قبل إطلاق كمبيوتر ماك وتسرد في 40 دقيقة ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية عام 1988 قبل اللحظات الأخيرة من إطلاق كمبيوتر نكست وتستمر أيضاً 40 دقيقة ثم ينتقل إلى المرحلة الثالثة عام 1998 قبل إطلاق جهاز آي ماك والتي تمتد 40 دقيقة وتختتم الفيلم. العمل كله يسرد من خلف الكواليس للمراحل المذكورة أعلاه ويذكر كثيراً بفيلم بيردمان العام الماضي (لا سبيل لمقارنة هذا الفيلم ببراعة تنفيذ بيردمان)، وهو معتمد بالكامل على أداء ممثله الرئيس مايكل فاسبيندر في دور ستيف جوبز وطاقم الممثلين المساعدين مثل جيف دانيالز وكيت وينسليت. الآن عودة إلى السؤال المطروح سابقاً: هل داني بويل الفائز بالأوسكار في فئة أفضل مخرج عام 2008 عن فيلمه Slumdog Millionaire الفائز كأفضل فيلم أيضاً هو المخرج الأنسب لهذا العمل؟ دعونا نرصد من خلال الفيلم. انعدام التشابه ستيف جوبز ينطلق بشكل جيد خلال المرحلة الأولى من حياة الشخصية وبويل هنا يستخدم فيلم نوع 16مم ليعطي المرحلة لمستها الفنية المستقلة، فاسبيندر يؤدي دوره بصورة ممتازة لكنه لا يقنع المشاهد بأن ستيف جوبز هو الواقف أمامه في الشاشة والسبب هو انعدام التشابه بين الممثل والشخصية المجسدة (بعكس الأداء القوي لآشتون كوتشر الذي يكاد يشبه جوبز في شبابه لدرجة التوأمة في فيلم جوبز الأول المفتقد للدقة عام 2013). عند دخول المرحلة الثانية المصورة بفيلم 35 مم يبدأ التعثر في الفيلم لأن اهتمام المشاهد قد يقل نوعاً ما خصوصاً عندما تتناول الشخصيات حديثاً تقنياً متعمقاً عن أنظمة التشغيل، ثم شعرنا أن بويل يفقد السيطرة على فيلمه تحديداً عند دخول جيف دانيالز بشكل أكبر في أحداث الفيلم .. حيث يؤدي دور جون سكالي مدير آبل، ونتحدث هنا عن مشهد النقاش الحاد الذي دار بين الشخصيتين حيث إن أداء دانيالز هنا طغى على فاسبيندر واستولى الأول على المشهد بأكمله. سوء تقدير بويل هنا لم يحسن التقدير فجيف دانيالز ممثل موهوب يتمتع بنطاق واسع في تغيير أدائه فهو بارع في التهريج كما رأيناه في فيلم غبي وأغبى بجزئيه عام 1995 و2014، وهو بارع في أداء الشخصيات الشريرة والجادة كما رأيناه في فيلم Looper عام 2012 والآن في هذا العمل، وبالتالي ضاع فاسبيندر في هذه الجزئية. في المرحلة الثالثة الشديدة الوضوح بسبب تصويرها بكاميرا رقمية نرى فاسبيندر يستعيد موقعه في الفيلم مجدداً ويعطي أداءً سيرشح من أجله للأوسكار كأفضل ممثل بلا شك.. وفي هذه المرحلة تحديداً يحسن بويل تقديمه من خلال تغيير تسريحة الشعر في صورة مشابهة كثيراً للشخصية الحقيقية وبالتالي أضاف كثيراً من المصداقية لأداء الممثل. كيت وينسليت في دور مساعدة جوبز لم تعط حيزاً كبيراً من الفيلم رغم جمال أدائها. عاطفة بويل وسوركن برعا في رسم مسار عاطفي في الفيلم لشخصية جوبز من خلال إدخال شخصية ابنته التي يرفض الاعتراف بأبوته لها وصراعه مع أمها متوازياً مع المسار المهني للشخصية في المراحل الثلاث وباستخدام 3 ممثلات وهو ما دعم بشكل كبير عملية تطورها من خلال السرد.