×
محافظة المنطقة الشرقية

تخصصي الدمام ينظم فعاليات اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، قدّم أطفال سوريون من مخيم الزعتري للاجئين في الأردن عروضاً لمسرحيات الشاعر والمسرحيّ الإنكليزي ويليام شكسبير، في إطار مشروع الممثل والمخرج نوار بلبل «شكسبير في الزعتري». وزيارة شكسبير هذه إلى مخيم للاجئين في الأردن ليست إلا محطة من سفر الكاتب الإنكليزي إلى المنطقة العربية، وهي رحلة عمرها أكثر من قرن، كما أرّختها الأستاذة المساعدة في الأدب المقارن والعربي في جامعة بوستن مارغريت ليتفين، في كتابها الصادر في ٢٠١١ عن رحلة هاملت العربية (العنوان كاملاً: رحلة هملت العربيّة: أمير شكسبير وشبح ناصر، والكتاب صادر عن منشورات جامعة برنستون). يخرج هاملت من هذه الرحلة كمرآة للثقافة السياسية في النصف الثاني من القرن الفائت، مقدماً نموذجاً للبطل، في بعده النفسي، في الحقبة الناصرية، ليتحوّل إلى مناضل من أجل العدالة في زمن المعارك اليائسة بعد الهزيمة، وينتهي موضوعاً للسخرية يعبر عن عقم الالتزام في وجه أنظمة استبدادية لم تعد تهزها الكلمة. وفي الزمن السوري، يعود شكسبير إلى المخيم، مساعداً اجتماعياً يساعد أطفال التراجيديا الثورية كي ينسوا، لبعض الوقت، مستقبلهم المضطرب. تبدأ ليتفين كتابها بإحصاء تأثير هاملت في الثقافة السياسية العربية، وبخاصة سؤاله الشهير «نكون أو لا نكون؟»، الذي تجد صداه عند كتّاب وسياسيين كثيرين، من إدوارد سعيد إلى يوسف القرضاوي. ويواكب هذا السؤال مجرى السياسة العربية، التي غالباً ما صُوّرت كملحمة تحتاج إلى يقظة لمواجهة تحد وجودي. ولحسن الحظ، تفوق الشق السلبي من المعادلة على شقّها الإيجابي، غير أنّ هذا لم يعطّل الاستعارات الهاملتية، بحيث انتشرت عبارة «في دولة الدنمارك فساد وعفن» مع الجدل الذي دار حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة الى النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، ليتحول هاملت إلى مُقاطع بضائع مملكته. من الحاضر المضطرب، تعود ليتفين إلى أوائل ترجمات هاملت في بدايات القرن العشرين مع طانيوس عبده، الذي ترجمه من الفرنسية إلى العربية، وإلى عروضه ببطولة سلامة حجازي. بعد عبده، تنتقل ليتفين إلى ترجمة خليل مطران ومن ثمّ إلى أول ترجمة من الإنكليزية لسامي جريديني في ١٩٢٢. وتشير الكاتبة إلى عدد من عروض هاملت في مصر ما بين الحربين، ما أدّى إلى بناء تقليد عربي في ترجمته وتطبيقه وتفسيره. غير أنّ التأثير في تكوين هذا التقليد لم يكن فرنسياً وإنكليزياً فحسب، بل دخلت عليه تجارب من الدول الاشتراكية السابقة بعد الحرب العالمية، كان من أهمها فيلم «غاملت» للمخرح السوفياتي غريغوري كوزنتسيف الذي لعب دوراً مهماً في إعادة قراءة المسرحية. لقد تُرجم كامل مسرحيات شكسبير بين ١٩٥٥ و١٩٦٥ تحت إشراف طه حسين وبرعاية جامعة الدول العربية. وبدأت عملية تسييسه بين ١٩٦٤ و١٩٦٧، حيث وُظّف البطل التراجيدي ليقدم نموذجاً عن المناضل من أجل العدالة. وتشير ليتفين إلى مسرحيتين في هذا الخصوص، هما «سليمان الحلبي» لألفريد فرج و «مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور. ثم يستكمل هاملت رحلته السياسية في الفترة التي تلت الهزيمة، وهي فترة الحماسة الثورية، ليعود ويصبح عنواناً للسخرية أو رثاء لجيل الثورة ومسرحه السياسي، كما أخرجه رأفت الدويري في ١٩٧٦، مع مسرحية «شكسبير ملكاً». المرحلة الأخيرة في رحلة هاملت تمتدّ من ١٩٧٦ إلى الحاضر وتستحضر فيها الكاتبة ست مسرحيات، استوحيت من هاملت للتعبير عن «الزمان المضطرب»، وهي: «هملت يستيقظ متأخراً» لممدوح عدوان و «إنسوا هاملت» لجواد الأسدي و «فرقة مسرحية وجدت مسرحاً فمسرحت هاملت» لنادر عمران و «رقصة العقارب» لمحمود أبو دومة و «اسماعيل هاملت» لحكيم مرزوقي، وصولاً إلى «قمة هاملت» لسليمان البسام. وتشهد تلك المرحلة انقلاباً على تقليد هاملت العربي، لتستعيده بسخرية تعبر عن انغلاق الأفق السياسي. يأتي هذا الكتاب ضمن موجة جديدة من دراسات الترجمة إلى العربية التي تعيد النظر في ثنائية الغرب والعرب التي شكّلت النموذج الأساس لمقاربة تاريخ الثقافة في العالم العربي. فمن كتاب ألبرت حوراني الشهير عن الفكر السياسي في «العصر الليبرالي» إلى كتاب إدوارد سعيد ونقده الاستشراق، رواية واحدة، وإن كانت متناقضة سياسياً، وهي مركزية سؤال العلاقة مع الغرب، أي العلاقة التي لا تحتمل إلا سؤال «نكون أو لا نكون». ومن خلال متابعة رحلة هاملت إلى العالم العربي، تستنتج ليتفين ضرورة الخروج من هذه الثنائية التي شكّلت الحاضنة النظرية لأعمال تأريخ العالم العربي، حيث تصارع المستشرقون والمابعد استشراقيين حولها لعقود، من دون أنّ يشكك بها أحد. تخرج ليتفين من هذا التقليد من خلال البحث عن تأثيرات هاملت خارج الغرب، لتجد دوراً هاماً لهاملت شرق أوروبي وسوفياتي على القراءة العربية. كما تخرج عنه من خلال اكتشاف تقليد عربي في ترجمته وتطبيقه، بحيث لا يشكّل الغرب محاوره الوحيد. بداية إعادة التفكير بهذه الثنائية قد تفتح مجالاً لكتابة جديدة للتاريخ الثقافي والسياسي في العالم العربي، بخاصة في شقّه الحديث، كتابةٍ تعيد البحث في البعد الكوني لسفر النظريات وارتحالها، وتعيد اكتشاف التقاليد العربية في التطبيق، بعيداً من مسألة الأمانة للنص من جهة، أو الأصالة الرافضة للنص من جهة أخرى. فتاريخ كهذا لا يحتمل سؤال «نكون أو لا نكون»، وقد يحرر الوجود التاريخي من ثقل سياسة تلك الصراعات الوجودية وتجاهلها للواقع، أكانت استشراقية أم ما بعد استشراقية. هــل يســـتقرّ بنــا هــامــلت اليــوم فــي مخيــّم الزعتــري؟ وهل ثمّة «بَعدٌ» ليذهب إليه؟