لم يكن مفاجئاً الرد الإسرائيلي على تنازلات حركة حماس في وثيقتها الجديدة والتي أعلنت رسمياً أمس، إذ إن هذه التنازلات أثارت شهيّة إسرائيل للمزيد من التنازلات، تماماً مثلما تفعل مع كل مبادرة فلسطينية أو عربية تتعلّق بالتسوية. عندما نشرت إحدى القنوات الفضائية قبل حوالي الشهر ما قالت إنها وثيقة سياسية جديدة لـ«حماس»، رد مسؤولون من الحركة أن الوثيقة «المسرّبة» رسمية، أي أن الحركة لم تنف ما ورد عن مضمون الوثيقة التي تضمنت لأول مرة موافقة «حماس» على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 كـ«حل انتقالي». وفك ارتباط الحركة مع جماعة «الإخوان». مراقبون اعتبروا أن تسريب الوثيقة في حينه ليس بريئاً، إنما هدف إلى التمهيد للإعلان الرسمي الذي جرى أمس من خلال مؤتمرين صحافيين في الدوحة وغزة. وأعلن فيهما ما يمكن اعتباره برنامجاً جديداً للحركة يهدف إلى تقديم أوراق اعتماد لجهات إقليمية ودولية، من خلال التناغم مع حل مقترح سبق أن طرحته حركة فتح وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورفضته «حماس». ويرى مراقبون أن الحركة كان يمكنها توفير الكثير من التضحيات طالما أنها ستوافق على ما رفضته في ميثاقها المعلن عام 1988 ومواقفها اللاحقة من كل مبادرات التسوية بما فيها اتفاق أوسلو. مسؤول في الحركة حاول تبرير الوثيقة المسرّبة، وقبل إعلانها رسمياً، بالقول لإحدى القنوات الفضائية إن نصوصها لا تحمل تغييراً جوهرياً في مواقف الحركة، لكن هذا التبرير يثير بالتالي سؤالاً منطقياً يقول إنه إذا كان الأمر كذلك فما معنى الإعلان عن هذه الوثيقة باعتبارها جديدة؟، ولماذا لم تبق الحركة ملتزمة بميثاقها نفسه؟. يبدو أن ما نقلته إحدى وكالات الأنباء عن قيادي في الحركة حول كون هذا التنازلات ضرورية لتكون الحركة مقبولة إقليمياً ودولياً، هو الأقرب لتفسير إصدار هذه الوثيقة الجديدة، فيما يتوقّع الإعلان لاحقاً عن اختيار قيادة جديدة للحركة، حيث يرجّح أن يصبح إسماعيل هنية رئيساً للحركة بدلاً من خالد مشعل. عباءة «الإخوان» إعلان الخروج من تحت عباءة جماعة «الإخوان»، بمثابة رسالة إلى القيادة المصرية تهدف إلى تطبيع العلاقة مع النافذة الوحيدة لقطاع غزة على العالم. ويمكن القول إن «حماس» تراهن على أن يكون التغيير البرنامجي على هاتين النقطتين، «الدولة» و«الإخوان» جسراً للعلاقة مع دول المنطقة والغرب. الرد الإسرائيلي على هذا التطور لا يحمل الجديد بل أخذ المنحى ذاته إزاء مواقف منظمة التحرير الفلسطينية، إذ دأبت إسرائيل على التقليل من أهمية كل تغيير في البرنامج السياسي الفلسطيني، طالما لم يعلن صراحة الاعتراف بها ويفرّغ البرنامج الفلسطيني من أي نفس مقاوم جرى التعبير عنه تاريخياً وميثاقياً بـ«الكفاح المسلّح». وعلى النحو ذاته، جاء الرد الإسرائيلي سريعاً ومستبقاً للإعلان الرسمي عن وثيقة «حماس»، حيث اعتبر دافيد كيز الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن «حماس تحاول خداع العالم لكنّها لن تنجح». وتابع «يبنون أنفاقاً للإرهاب وأطلقوا آلاف الصواريخ على مدنيين إسرائيليين. هذه هي حماس الحقيقية»، حسب تعبير كيز. مصادر عربية ربطت بين وثيقة «حماس» المعدّلة وزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المقرّرة لواشنطن الأربعاء، لكن من غير الواضح كيف يمكن لهذه الوثيقة أن تترك أثراً على المباحثات الفلسطينية في واشنطن، إذ إن خطوات من هذا النوع تحتاج إلى وقت أطول كي تظهر تداعياتها. تأجيل أرجعت مصادر تأجيل «حماس» ساعتين مؤتمراً صحافياً للإعلان عن وثيقتها الجديدة لاعتذار أحد الفنادق في الدوحة، في اللحظات الأخيرة عن استضافة المؤتمر الذي كان مقرراً لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بحضور صحافيين وسياسيين وكتاب. وذكر شهود عيان، أن إدارة الفندق قامت في بادئ الأمر بإزالة الأوراق والأقلام وعبوات المياه التي تحوي شعار الفندق، من على طاولات الحضور، قبل أن تعتذر الإدارة من «حماس» عن استضافة اللقاء.