استطاعت فئة من الفنانين والكاتب القطريين أن تلفت إليها الأنظار في السنوات الأخيرة بفضل طموحها وسعيها المتواصل نحو التحقّق والتميّز والاستمرار في طريقها، وذلك بدافع الإيمان الحقيقي بقدراتها وإمكاناتها التي تخول لها أن تنافس غيرها من التجارب العربية والأجنبية. ونجح البعض في تشكيل قاعدة جماهيرية من خلال مشاركاتهم المتواصلة في المهرجانات الدولية، والملتقيات الإقليمية والعربية التي يدعون إليها سواء عبر استثمار علاقاتهم مع القائمين على تلك الفعاليات، أو عبر الترشيح الرسمي من قبل الجهات والمؤسسات المعنية في الدولة، الأمر الذي ساعدهم على أن يقدموا عروضهم وأعمالهم الفنية والأدبية أمام الآخر المختلف جزئيا أو كليا. ومن هؤلاء من يعمل على تحقيق ذاته والتعريف بإنتاجاته خارج الدولة بفضل جهوده الخاصة، ومثابرته وإصراره، ومنهم من حصل على دعم من جهات حكومية ومؤسسات معنية، ما سهل عليه التنقل وتسجيل حضوره بفخر واعتزاز، ممثلا لقطر، ولزملائه المبدعين في مجاله. وسواء أكانت وزارة الثقافة والرياضة أو المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي مثل مؤسسة الدوحة للأفلام وغيرها من الجهات التي تضع ضمن أولوياتها التعريف بالمبدع القطري خارج حدود الوطن، فإن الحضور القطري في المحافل الدولية يظل مشرفًا، ولكنه يطرح أسئلة. لمزيد من تسليط الضوء على موضوع المشاركات الخارجية، التقت "الشرق" عددًا من الفنانين والكتاب فكان التالي: على الدولة أن تواصل دعمها للفنان القطري بداية يقول الفنان التشكيلي القدير حسن الملا إنه عاد مؤخرا من فرنسا، وشارك قبل فترة في ملتقى للفن التشكيلي بالمغرب. مضيفا: "المشاركات الخارجية تتيح لنا مزيدا من التعاون مع أصدقائنا الفنانين في جميع أنحاء العالم، وكان لنا دور في العديد من الملتقيات والمهرجانات من خلال تقديم أعمالنا للآخر، وتمثيل قطر أحسن تمثيل، وقد خلقت تلك المشاركات نوعا من التواصل الفني والإنساني المفيد". مضيفا: "عندما أشارك في مهرجان أو في ملتقى عربي أو عالمي فإنني لا أمثل نفسي بل أمثل قطر، لذلك نشعر بالفخر عندما يذكر اسم قطر في المحافل الدولية ويتم تكريمنا". وتابع: "لكل فنان أساليبه الخاصة، وعلى الدولة أن تواصل دعمها للفنان القطري مهما بلغ من العمر، لأن الفنان يظل ينتج حتى آخر رمق في حياته، كما أنه لا يستطيع أن يتحمل تكاليف السفر بمفرده، والمشاركات الخارجية كما هو متعارف عليه لابد لها من دعم، لكن ما يحدث أننا نحن من يتحمل تكاليف المشاركات الخارجية". الترشيح الرسمي تم في 3 مناسبات من جانبه يقول الشاعر راضي الهاجري: "المشاركات الأدبية للمثقف القطري تتفاوت في طبيعتها بين الرسمية وشبه الرسمية والخاصة، وغالبًا ما تعتمد على الاجتهاد الشخصي للمثقف في التواصل والانتشار بينه وبين الجهات الداعية والمحتضنة لتلك الفعاليات، وأعزو ذلك لمحدودية الدور الذي تقوم به الجهات الرسمية المسؤولة عن تسيير الجانب الثقافي وتشجيعه، وذلك بسبب لجوء الجهات الخارجية للتواصل مع المثقفين مباشرة بناء على التواصل الشخصي. الأمر الذي أرى معه أن تقوم جهاتنا الرسمية ببذل جهد في الاتجاه المعاكس لأن تقوم بتنظيم فعاليات خارجية لمثقفيها بالتزامن مع فعالياتها المحلية، مع الحرص على توفير الدعم لأكبر شريحة ممكنة ويكون التواصل الفردي بعدها ممكنًا". وتابع: "شخصيًا كانت لي مجموعة من المشاركات الخارجية في عدة مجالات، منها الشعر الفصيح والشعر الشعبي والفن التشكيلي من شرق جزيرة العرب وحتى سواحل المحيط الأطلسي. تنوعت هذه المشاركات بسبب التواصل مع شرائح مختلفة من المثقفين، الأمر الذي أدى إلى التعرف والتداخل مع تجارب جديدة. كان للترشيح الرسمي لتمثيل الثقافة القطرية خلال مسيرتي التي تقارب الخمسة عشر عاما النصيب في الظهور في ثلاث مناسبات. وقد يكون السبب هو عدم الرغبة في الظهور بشكل مفرط لمجرد الظهور. وكانت الدعوة الأخيرة للمشاركة في أمسية شعرية في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات - فرع دبي مثالًا واضحا عن كيفية المشاركات التي أقوم بها أحيانًا". كل مهرجان هو شمعة مضيئة في مسيرتي ويقول الفنان سالم المنصوري: "الفنان القطري موجود في الفعاليات والمحافل الدولية، وأعمالنا ناجحة والجميع يشيد بها، والدليل على ذلك مشاركتي الأخيرة في مهرجان قفصة الدولي للمسرح بتونس والتي كانت ناجحة بكل المقاييس، حيث حققت مسرحية "السلطان" إشادة كبيرة لما يحمله العمل من همّ عربي لامس وجدان المشاركين وضيوف المهرجان، وأثمرت المشاركة دعوات لمهرجانات قادمة. كما أن المشاركة توجت بتكريمي ضمن كوكبة من المسرحيين العرب والأجانب، وهو مبعث فخر واعتزاز، فأنا لا أمثل نفسي بل أمثل المسرح القطري ودولة قطر، والعمل أثبت نجاحه قبل ذلك في الأردن والجزائر". مضيفا: "أحرص في أعمالي على إظهار الوجوه الجديدة لكي يستفيدوا من الخبرات المسرحية، ومن العروض التي تقدم في المهرجانات، بالإضافة إلى الندوات والجلسات النقاشية، وكل مهرجان يعتبر شمعة مضيئة في مسيرتي الفنية". الدوحة للأفلام تقوم بجهود كبيرة لانتشار الأعمال من جانبه يقول المخرج السينمائي فهد الكواري: "عندما شارك فيلمي "عين" في مهرجان كان السينمائي (فئة الأفلام القصيرة) في عام 2102، كان ذلك بدعم كامل من مؤسسة الدوحة للأفلام التي تحملت تكاليف الرحلة. وكان الطموح حينها أن آخذ فيلمي إلى منصة عالمية". مضيفا: "الفيلم القطري القصير ينافس في المهرجانات الدولية، وأصبح له حضور خارج الدولة، بفضل الجهود التي تقوم بها مؤسسة الدوحة للأفلام وبعض الشركات المستقلة، وهناك دعم واضح من ناحية الإنتاج وتوفير المعدات وفريق العمل، والحمد لله عدد المشاركات صار أكبر، والطموح أكبر، والقيمة الإنتاجية تكبر يوما بعد آخر". وقال: "إن صناعة السينما في قطر حديثة والخطوات الأولى مثمرة، وهناك انفتاح أكثر على العالم نتمنى أن يتضاعف في السنوات القادمة بتكاتف جهود الجميع، علما بأن هذه الصناعة تأتي في سياق السينما الخليجية بشكل عام، حيث إننا لا نستطيع أن نعزل أنفسنا عنها لوجود أكثر من مشترك بيننا، ولا يمكن للسينما القطرية أن تنجح خارج إطارها الخليجي، لأن صناعة السينما صعبة وتحتاج إلى تعاون لكي نستطيع أن ننافس السينما العالمية. وشخصيا أحرص على هذا التعاون، والدليل على ذلك أن أحد أبطال فيلمي الأخير "واحد منهم" هو الممثل الكويتي حبيب التميمي، ونطمح إلى المزيد من الأعمال التي تجمع وجوها خليجية وتكون إنتاجا مشتركا بين دول الخليج".