فيما تواصلت الاحتجاجات في الولايات المتحدة ردا على إسقاط الملاحقات القضائية بحق شرطي أبيض قتل شابا أسود، خرج الشرطي لأول مرة ليعلن أن «ضميره مرتاح» وأنه كان سيتصرف بنفس الطريقة لو واجه شابا من البيض. وذكر أيضا أنه أقدم على قتل الشاب مايكل براون في 9 أغسطس (آب) الماضي لاعتقاده أنه كان بصدد انتزاع سلاحه ليطلق النار عليه، وهي الرواية التي رفضتها عائلة براون بقوة. ومع تركز الاحتجاجات الليلة قبل الماضية في مدينة فيرغسون الصغيرة التابعة لولاية ميسوري (وسط)، انتشر 2200 عسكري من الحرس الوطني، أي أكثر بـ3 مرات من يوم الاثنين، لمنع تكرار إشعال الحرائق وعمليات النهب. وأمام مركز الشرطة قام شرطيون بلباس مكافحة الشغب يساندهم عناصر من الحرس الوطني مجهزون بالهراوات والدروع، بصد نحو 100 شخص يحملون لافتات كتب عليها «لن يسكتونا». وتراجع الحشد نحو مقر البلدية حيث تم إحراق سيارة دورية وأطلق عناصر الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وفي سانت لويس، التي تتبعها إداريا فيرغسون، أحرق متظاهرون أيضا سيارة للشرطة وأعلنت السلطات أن التجمع «غير قانوني» مهددة بتوقيف المحتجين والصحافيين. وبذلت السلطات كل ما بوسعها لمنع أعمال العنف مثلما حصل مساء الاثنين. وقد دان الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة أعمال العنف. وقال في خطاب ألقاه في شيكاغو بولاية إيلينوي: إن «حرق المباني وإضرام النار في السيارات وتدمير الممتلكات وتعريض الناس للخطر: لا يوجد أي مبرر لذلك إنها أعمال إجرامية. هناك وسائل بناءة للتعبير عن الإحباط»، مقرا بوجود شعور قوي لدى الكثير من الفئات بأن «القوانين لا تطبق دائما بنفس الطريقة وبشكل عادل». وبعد 3 أشهر من المداولات خلصت هيئة المحلفين الاثنين الماضي إلى أن الشرطي دارن ويلسون تصرف بحكم الدفاع المشروع عن النفس بإطلاق 12 طلقة باتجاه مايكل براون الذي صفعه أولا على وجهه قبل أن يلوذ بالفرار. وقال محامي الضحية «في كل أميركا، في نيويورك ولوس أنجليس وكاليفورنيا وكليفلاند، يقتل الشبان السود بأيدي الشرطة». وفي كليفلاند بولاية أوهايو (شمال) سار متظاهرون مساء أول من أمس احتجاجا على مقتل فتى في 12 في نهاية الأسبوع على يد شرطي فيما كان يحمل سلاحا زائفا. وفي نيويورك تم توقيف عدد من المتظاهرين مساء أول من أمس بعد اعتقال شخصين مساء الاثنين. وحملت أثناء التجمعات لافتات كتب عليها عبارات مثل «السجن للشرطيين القتلة» و«نطالب بالعدالة لفيرغسون» و«ارفعوا أيديكم، لا تطلقوا النار»، و«حياة السود مهمة» و«ليتوقف عنف الشرطة». كما نزل مئات المتظاهرين إلى شوارع بوسطن وفيلادلفيا (شرق) أو ناشفيل (جنوب). وأحصت شبكة «سي إن إن» التلفزيونية تجمعات في 170 مدينة أميركية. وكان معظم هذه التجمعات سلميا لكن تخلل بعضها قطع طرق سريعة مثلما حصل في لوس أنجليس أو أوكلاند على الساحل الغربي. واستخدمت الشرطة في بعض الأحيان الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين مثلما حدث في دنفر أو بورتلاند. وتمدد كثيرون أرضا لقطع مفارق طرق وخصوصا في لوس أنجليس حيث تذكر قضية مايكل براون بقضية رودني كينغ الذي تعرض للضرب المبرح على يد 4 شرطيين تمت تبرئتهم مما أثار اضطرابات عام 1992. وقال سيماجي يونغ أثناء مسيرة نحو مقر الشرطة في لوس أنجليس حيث تجمع حشد متعدد الأجيال والأعراق من 400 شخص تقريبا، «سئمت من رؤية الأقليات تواجه ظلم الشرطة». وفي أول تصريح له منذ مقتل مايكل براون أكد الشرطي دارن ويلسون لمحطة «اي بي سي» أول من أمس إن «ضميره مرتاح» وإنه لو كان شابا أبيض لتصرف بنفس الطريقة معه. وأوضح أنه خاف من أن يقتل لاعتقاده أن الفتى البالغ من العمر 18 عاما كان بصدد انتزاع سلاحه ليطلق النار عليه. وقال: إنه «انقض علي، وكان سيقتلني». لكن عائلة براون قالت أمس إنها «لا تصدق أي كلمة من إفادة عنصر الشرطة». وذكرت والدة براون صباح أمس أن هذه الرواية غير صحيحة منددة «بنقص تام في الاحترام حيال ابنها». وقالت ليسلي ماكسبادين لشبكة «سي بي إس»: «لا أصدق أي كلمة مما قاله. أعرف جيدا ابني، لم يكن ليقوم بهذه الأمور. لم يستفز أحدا». أما والده فندد أيضا بإفادة الشرطي، وقال لشبكة «إن بي سي»: «أولا، إن ابني كان يحترم قوات الشرطة. وثانيا، أي شخص عاقل يجرؤ على تحدي عنصر شرطة يحمل سلاحا». أما محامي عائلة الشاب الأسود، بنجامين كرامب، فانتقد ما وصفه بـ«نظام (قضائي) في خلل»، منددا بصلة تقارب بين المدعي، الذي قتل والده الشرطي على يد أسود، وشرطة سانت لويس. ولفت إلى التناقضات في شهادات الشرطي معربا عن أسفه لأن الأخير لم يواجه أي استجواب مضاد. لكن دارن ويلسون الذي ما زال في عطلة إدارية ليس في منأى عن أي ملاحقة. وقد ذكر وزير العدل اريك هولدر بأن ثمة تحقيقين يجريان ووعد بنتائج سريعة من أجل «إعادة الثقة» بين الشرطة والمواطنين السود. ووصلت تداعيات هذه القضية إلى فرنسا حيث دعا الناطق باسم الحكومة الفرنسية أمس وزيرة العدل كريستيان توبيرا إلى عدم الإدلاء بتعليقات حيال ما يحصل في الولايات المتحدة بعدما كتبت في تغريدة متسائلة «هل يجب قتلهم قبل أن يكبروا؟». وقال ستيفان لو فول أمام الصحافيين في ختام جلسة لمجلس الوزراء «يجب الامتناع عن الإدلاء بتعليقات حيال ما يحصل في الولايات المتحدة حيث هناك قوانين وإجراءات سارية». والمسؤولة المستهدفة هي الوزيرة توبيرا المتحدرة من غويانا وأحد الوزيرين السود في الحكومة والتي تعرضت لإهانات عنصرية في 2013. وأثارت تغريدة الوزيرة ردود فعل كثيرة لدى الطبقة السياسية الفرنسية حيث اعتبرها البعض من المعارضة اليمينية «تدخلا».