×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / تعليم حائل يحقق المركز الأول في الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي ( إبداع ) 2016م

صورة الخبر

منذ أن دخل الاقتصاد الصيني في آب (أغسطس) من العام الماضي حالة من الاضطراب والتراجع، والمشكلات والتحديات تتكالب عليه واحدة بعد أخرى، فتراجع معدلات النمو، دفع بعديد من المؤسسات الدولية، إلى أن تكون أكثر دقة في تقييمها الجوانب المختلفة للاقتصاد الصيني، وأن يتصف بحثها وتحليلها لثاني أكبر اقتصاد في العالم، بدرجة أعلى من النقد وعدم التساهل أو التسامح في فهم وقراءة مؤشراته. وفي هذا الإطار تحتل مشكلة الديون المصرفية المعدومة في الصين أو المشكوك في سدادها اهتماما دوليا تجاوز حدود بكين إلى المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية. فالاقتصاد العالمي لم يشف بعد من تبعات الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008، وتحولت سريعا إلى أزمة اقتصادية شاملة، ويتشابه وضع المصارف الصينية حاليا فيما يتعلق بالديون المتعثرة أو المشكوك في القدرة على سدادها مع ملامح النظام المصرفي الأمريكي في الأشهر السابقة لاندلاع الأزمة المالية العالمية. ويتخوف المختصون من أن يؤدي وقوع الاقتصاد الصيني في براثن أزمة مالية في الوقت الحالي، إلى الإطاحة بكل الجهود الدولية لإصلاح الاقتصاد العالمي من أزمته، وأن يعود المشهد الاقتصادي إلى نقطة الصفر مرة أخرى، بل ويخشون أيضا من فقدان الثقة بقدرة المؤسسات الاقتصادية الدولية على طرح حلول حقيقية للخروج من الأزمة الاقتصادية، وهو ما سيدخل المنظومة الاقتصادية الدولية في حالة من التعثر، ويقود إلى فوضى اقتصادية شاملة، يصعب التنبؤ بنتائجها أو بالمدى الزمني للخروج منها. وتتركز الأنظار الآن على القطاع المالي الصيني، وتحديدا تزايد معدلات الديون المعدومة لديه، فعديد من المختصين يعتقدون أن هذا القطاع الرائد في عملية التنمية الصينية خلال العقدين الماضين، يواجه الآن أوضاعا شديدة الصعوبة، دفعت البعض بالتشكك في قدرته على تجاوزها، بل ودفعت بعض الاقتصاديين إلى إعادة القراءة مجددا لأداء هذا القطاع خلال العقدين الماضيين. مخاوف من وقوع الاقتصاد العالمي في براثن أزمة مالية تطيح بجهود الإصلاح الراهنة. الدكتور براين وليمسن الاستشاري في بنك التنمية الآسيوي يعتبر أن أزمة القطاع المصرفي الصيني أضحت أزمة بنيوية بعدما بلغت الديون المعدومة أو الديون المشكوك في القدرة على سدادها أرقاما غير مسبوقة وفقا للمعايير الدولية. وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن هناك فقاعة في قطاع الخدمات المالية الصيني، وعلى الرغم من أن ظاهرة الديون المتعثرة أو المعدومة في تزايد منذ 2008، إلا أنها في الصين تزداد حدة خاصة مع تراجع معدلات النمو الاقتصادي، ووفقا لبعض التقديرات فإن الديون المصرفية في الصين يحيط الشك بها أو بقدرة أصحابها سواء كانوا أفرادا أو شركات أو مؤسسات مصرفية على سدادها، حيث تبلغ أكثر من خمسة تريليونات دولار أي نصف الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وهو ما يضع أسهم المصارف الصينية ضمن قائمة أكثر أسهم المصارف خطورة في العالم. ويعتقد البعض أن الإفراط الصيني خلال الـ 20 عاما الماضية في الاستثمار في البنية التحتية، والرغبة الحكومية الدائمة في مساندة شركات القطاع العام، وعدم إخضاعها للقواعد الاقتصادية المتعلقة بالربح والخسارة، لعبت الدور الأساسي في زيادة معدلات الديون المعدومة أو المشكوك في سدادها في الاقتصاد الصيني. الدكتورة دوت جينير أستاذة الاقتصاد الآسيوي في جامعة وارويك تعتبر أن الإفراط الصيني في منح القروض للاقتصادات الناشئة دون دراسات جدوى حقيقية ومعمقة، واتخاذ القرار وفقا لتوجهات سياسية، أسهم بشكل فعال في زيادة أزمة القروض المتعثرة في الاقتصاد الصيني. وأضافت لـ "الاقتصادية"، أن عديدا من الأسواق الناشئة تعاني عمليا أزمة اقتصادية مستفحلة، وبعض تلك الاقتصادات مثل اقتصاد جنوب إفريقيا ونيجيريا والبرازيل حصلت على قروض ضخمة للغاية من الصين ومن المشكوك فيه أن تفلح تلك الاقتصادات في سداد ما عليها من ديون في ظل تراجع أسعار المواد الأولية التي تمثل الجزء الأكبر من صادراتها. وتعرب جينير عن قناعتها بأن مشكلة الديون الصينية المتعثرة ستزداد تفاقما خلال الفترة المقبلة، مع التراجع المتواصل في قيمة اليوان، وسلسلة الهزات المتواصلة في سوق الأسهم الصينية، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي. وأشارت جينير إلى أن هناك عاصفة تتشكل الآن مكونها الأساسي الديون المتعثرة للنظام المصرفي الصيني، وإذا لم يتم إيجاد حلول عاجلة، فيمكن للعاصفة بأن تطيح بجهود عقدين من التنمية الصينية. ومع تفاقم قيمة الديون المعدومة في الاقتصاد الصيني، فإن أغلب التوقعات تشير إلى ضرورة قيام البنك المركزي الصيني باتخاذ عدد من التدابير والإجراءات الإصلاحية في محاولة، لوضع حد يحول دون تكرار المشهد الأمريكي عام 2008، إلا أن أغلب التكهنات تؤكد أن تلك العملية ستكون شديدة الصعوبة والألم، خاصة أن تباطؤ النمو الاقتصادي سواء في الصين أو على المستوى الدولي، يرفع من تكلفة عملية الإصلاح. لكن المشكلة لا تكمن في نظر البعض في الديون المعدومة أو المشكوك في إمكانية سدادها، بقدر ما أنها تكمن في غياب رؤية شاملة للسلطات المالية الصينية لأفضل سبل الحل. توم كين الباحث الاقتصادي يشير إلى حالة التذبذب الراهن في قرارات السلطات الصينية بشأن سياسة الإقراض، وتباينها بشكل كبير من شهر إلى آخر، وهو ما يعكس من وجهة نظره نزاعا داخل البنك المركزي الصيني بشأن كيفية التعامل مع المشكلة في الوقت الذي يتراجع فيه معدل النمو الاقتصادي. وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن المصارف الصينية منحت قروضا بقيمة 385.40 مليون دولار في كانون الثاني (يناير) الماضي، وذلك أربعة أضعاف ما منحته في كانون الأول (ديسمبر)، ويعكس هذا نزاعا بين الداعين إلى التغلب على مشكلة انخفاض معدل النمو عبر تبني سياسات مالية توسعية، ومنح مزيد من القروض لزيادة الإنفاق، وبين المنادين بخفض الإنفاق لضبط السياسة المالية. وأضاف كين أن "هذا بالطبع ينعكس على الديون المعدومة التي قفزت بنسبة 7 في المائة خلال الفترة من أيلول (سبتمبر) الماضي إلى كانون الأول (ديسمبر) 2015، التي زادت خلال الربع الأخير بنحو 196 مليار دولار، وهذا أعلى معدل منذ عام 2006". وعلى الرغم من توقع أن تؤدي المصارف المعدومة إلى خسارة النظام المصرفي الصيني نحو 10 في المائة من إجمالي أصوله، إلا أن البعض يعتقد أن مشكلة الديون المعدومة مشكلة عالمية، قد تكون الصين أسوأ من غيرها إلا أن هذا لا يعني أن الآخرين في وضع جيد. فالتقديرات الرسمية تشير إلى أن حجم الديون المعدومة في أوروبا يبلغ نحو تريليون دولار، وذلك على الرغم من سلسلة الإجراءات وعمليات إعادة الهيكلة التي أجريت على المصارف الأوروبية منذ عام 2008، وتتباين تقديرات المختصين فيما يتعلق بتحليلهم مدلول الديون المعدومة في أوروبا، ومقارنتها بنظيرتها الصينية. توم مارتن الاستشاري في "الاتحادي الأوروبي" يرى أن الديون المعدومة الأوروبية مشكلة اقتصادية يجب الانتباه إليها، لكنها من وجهة نظره لا تمثل خطرا على الاقتصاد الأوروبي بذات القدر الذي تمثله على الصين. وأشار لـ "الاقتصادية"، إلى أن السياسات التقشفية التي اتبعت من المصارف المركزية الأوروبية سمحت إلى حد كبير بتراجع الديون المعدومة، كما أن عملية الإصلاح المصرفي قامت بدور ملحوظ في هذا المجال، ولهذا سمح المصرف المركزي الأوروبي لبعض المصارف في المجر وإيطاليا بشراء الديون المعدومة، وفي إيطاليا بمفردها قدرت بنحو 200 مليار يورو، ولا شك أن تلك الخطوة ستساعد إلى حد كبير على تقليص المشكلة مستقبلا. آندروا جون المختص المالي في مجموعة نيت ويست المصرفية يختلف في تقييمه عن وجهة النظر تلك، فهو يشير إلى أن مصدر الديون المعدومة في الاقتصاد الصيني والأوروبي مختلفة، ففي الاقتصاد الصيني هي جراء السياسات التوسعية التي تمت منذ عام 2008، والاستثمارات الضخمة في البنية الأساسية، ومن ثم فهي نتيجة لعملية التوسع المفرط في الإقراض، وقد تكون نتيجة سلبية لكنها نتيجة طبيعية لأي سياسات مالية توسعية، أما بالنسبة إلى أوروبا فإنه رغم السياسات التقشفية التي اتبعت لسنوات، وعملية الإصلاح المصرفي – وهي عملية لم تحدث في الصين بذات الدرجة من القوى كما حدثت في أوروبا - فإن الديون المعدومة في أوروبا بلغت خمس قيمتها في الصين.