رسم المشهد النيابي في اختبار هو الأول للاستحقاق الرئاسي اللبناني، سيناريو الجلسة الأولى امس قبل قرع الجرس إيذاناً بالدخول إلى القاعة العامة للبرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد، إذ دلت المواقف التي أطلقها ممثلو الأمة من تحت قبة البرلمان إلى الطريق الذي ستسلكه الجلسة وحسمت الأصوات قبل الإدلاء بها. ولم يؤد مسار الجلسة الذي رسا على مرشحين رئيسيين، هما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو، إلى حصول أي منهما على أصوات الغالبية، أي 86 نائباً من أصل 128 حضر منهم 124 نائباً، فنال الأول 48 صوتاً مقابل 16 صوتاً للثاني وصوت واحد للرئيس أمين الجميل، فيما حصدت الأوراق البيض 52 صوتاً. كما استُحضرت الحرب الأهلية في الاقتراع، فحضرت أطياف عدد من ضحاياها حملت بعض الأوراق أسماء لهم وضعت في صندوقة الاقتراع. وسرعان ما انفرط نصاب الجلسة فور انتهاء التصويت في الدورة الأولى لمنع حصول دورة ثانية تأتي بأحدهما رئيساً بأصوات النصف زائد واحداً، أي 65 نائباً، ليعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن إرجاء جلسة انتخاب رئيس للجمهورية إلى الأربعاء المقبل، مؤكداً أن النصاب الدائم لانتخاب الرئيس هو 86 نائباً. مصادر نيابية تحدثت إلى «الحياة «عن سعي جدي سيقوم به الرئيس بري عبر لقاءات واتصالات مكثفة سيجريها في الساعات والأيام التي ستسبق الجلسة المقبلة، لبحث إمكان بلورة مواقف تستطيع أن توسع قاعدة التفاهم على شخصية الرئيس العتيد». وإذ لفتت المصادر إلى أن «الإخفاق في التوصل إلى توافق على رئيس جامع يعني أن سيناريو أمس سيتكرر في الجلسة المقبلة»، جزمت بأن «هذا المشهد سيطبع كل الجلسات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً». لكن مصادر نيابية أخرى ربطت عدم دخول البلاد في فراغ محتمل، بالبناء على نتائج مروحة المشاورات الديبلوماسية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية حول شخص الرئيس الجديد، فيما لا «مؤشرات واضحة بعد»، تقول المصادر، إلى الاسم الذي سترسو عليه بورصة الترشيحات. < افتتح بري جلسة الانتخاب في حضور رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء و124 نائباً، بالقول: «عاش مين شافكن مجتمعين»، مشيراً إلى حضور 124 نائباً، وتليت أسماء النواب المتغيبين بعذر وعددهم أربعة، هم: سعد الحريري، عقاب صقر، إيلي عون (في المستشفى) وخالد الضاهر، الذي علمت «الحياة» انه في المملكة العربية السعودية. وهنا سألت النائب ستريدا جعجع الرئيس بري: «إذا بتسمح دولة الرئيس مين مرشح؟ بري: «بعد تلاوة المواد» وهي 49 و73 و75 من الدستور والمادتين 11 و 12 من النظام الداخلي. ولفت بري إلى أن المادة الأخيرة تنص على أن أي اسم يرد فيه غير الاسم الأول واسم العائلة يعتبر لاغياً، ثم وزعت الأوراق على النواب لاختيار اسم المرشح للرئاسة. وطلب النائب أنور الخليل معرفة أسماء المرشحين، فرد بري: «الصندوق هو الذي يقول أي شيء. ويستطيع أي أحد القول أنا المرشح الآن. معلوم أن الترشيحات المعروفة هي الدكتور سمير جعجع والزميل هنري حلو». هنا وقف كل من نادين موسى وترايسي داني شمعون وبشارة أبي يونس، الذين استووا على المقاعد المخصصة للضيوف إلى جانب الصحافيين، رافعين أيديهم ومعلنين ترشحهم للرئاسة، لكن أحداً منهم لن ينال أي صوت. وعلق النائب سيرج طور سركيسيان ممازحاً: «خليهم يعطونا الـ «سي في» عنهم وكلمة صغيرة يعرّفوا فيها عن حالهم». بري: «كل واحد له حق بالترشح». ثم بدأت عملية الاقتراع بالصندوق السري وبتلاوة أسماء النواب بالمناداة. وبعد الاقتراع بدأ النواب الانسحاب من القاعة تقدمهم النائب ميشال عون وبعض نواب «تكتل التغيير والإصلاح» وعدد من نواب «الوفاء والمقاومة» ونائبا «الكتلة القومية الاجتماعية» وسليمان فرنجية وكتلته وطلال إرسلان وعاصم قانصوه وقاسم هاشم. وقال بري: «روحة مع رجعة هه»، فعلق النائب عاطف مجدلاني: «مبين (الظاهر) روحة بلا رجعة». وأعلن بري أن «عدد المغلفات هو 124 ويتطابق مع عدد الحضور». ثم بوشر بفرز الأوراق، وتولى ذلك أمينا السر النائبان مروان حمادة وأنطوان زهرا . ووجدت في الصندوق ورقة باسم رشيد كرامي، وورقتان باسم طارق داني شمعون، ومغلف فارغ، وورقة باسم الرئيس أمين الجميل، وورقة باسم إلياس الزايك، وورقة باسم داني شمعون، وورقة باسم جيهان طوني فرنجية، فاعتُبرت جميعها ملغاة باستثناء الورقة باسم الرئيس الجميل. وتم احتساب الأصوات، وأعلن بري أن عدد الأوراق 124، عدد المغلفات 124، أوراق بيضاء 52، أوراق باسم جعجع 48، هنري حلو 16، أمين الجميل 1، وسبعة ملغاة. وعُلم أن من وضع هذه الأوراق هم نواب من «التيار الوطني الحر» وحزب «البعث» و «الحزب السوري القومي الاجتماعي». وتردد أن أحد نواب «الوفاء للمقاومة» وضع اسم رشيد كرامي. وفيما لم يقر أحد منهم بتدوين أي من هذه الأسماء، جاهر عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب زياد أسود بأنه خرق قرار التكتل بالتصويت بورقة بيضاء في الجلسة، وقال: «أنا صوّتُّ إلى الشهيدة المغدورة جيهان طوني فرنجية». ورأى أن «ترشيح جعجع غير جدي ولا يليق بموقع الرئاسة الأولى ولا يمكن فصل التاريخ عن المستقبل». أما في شأن الورقة التي دون فيها اسم الرئيس الجميل، فرفض نواب من 14 آذار محاولة فريق 8 آذار النيل من مقام الرئيس الجميل بتصويره انه لم ينل سوى صوت واحد. وقال النائب سامي الجميل لـ «الحياة»: «إذا بدنا نكرم الرئيس الجميل منعطيه صوت واحد؟ عيب». وفور انتهاء الدورة الأولى، سأل بري عن النصاب، فتبين أنه غير مكتمل، فأعلن إرجاء الجلسة إلى الأربعاء المقبل الثانية عشرة ظهراً، فسأله النائب سامي الجميل: «منرجع من جديد؟». بري: «على الـ 65 (نائباً، أي الفوز بالنصف زائد واحداً). النصاب المقبل في الدورة الثانية والدائم لانتخاب رئيس للجمهورية هو الثلثان (86 نائباً)، ويفوز المرشح بحصوله على 65 صوتاً». ثم تلي محضر الجلسة فصُدِّق، وكانت الساعة تشير إلى الأولى إلا ثلثاً. وعقب رفع الجلسة، سجّل اجتماع بين رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة والنائب جورج عدوان لتقويم الجلسة الانتخابية الأولى. وبعد فقدان النصاب سجلت سلسلة تصريحات للنواب تركزت على خلفية تطيير النصاب واستحضار فترة الحرب الأهلية، فوصفت النائب ستريدا جعجع الأصوات التي حصل عليها «الحكيم» بـ «الانتصار الكبير»، وقالت لـ «الحياة»: «عملية الانتخاب عرس ديموقراطي، وهي المرة الأولى التي نلمس فيها أن الاستحقاق الرئاسي كان لبنانياً لا تدخل للخارج فيه. كل نائب عبّر بطريقة معينة، لكن البعض مع الأسف عبّر بشكل ولادي» (في إشارة إلى وضع أسماء من ضحايا الحرب). وأكدت جعجع في تصريح آخر، «أن القوات البنانية مستمرة في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية حتى النهاية مهما كانت النتيجة، وسنهنئ من يفوز»، معتبرة أن «من اقترع لرشيد كرامي وغيره من أسماء» ضحايا فترة الحرب، «دليل إفلاس سياسي بامتياز»، وقالت: «هذا الأمر غير مقبول، ونعلم تماما كيف قُتلوا، وبأي عهد وزمن، وما هي الطريقة التي قتلوا بها. انتصرت الديموقراطية ولو حاول البعض تشويهها بتصرفات غير مسؤولة». وشكرت جعجع الحلفاء في 14 آذار على التزامهم وقالت: «كان الرهان أن نذهب موحدين إلى المجلس النيابي، وأشكر للرئيس سعد الحريري وفاءه لنا ولـ 14 آذار، ولا يمكنني إلا أن أتذكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس الشهيد بشير الجميل». وقالت: «البداية كانت «كويسة» وفوجئنا بأن لا منافس لنا، وكان بالإمكان تسمية شخص من المرشحين الأقوياء، كالجنرال عون، الذي لم يطرح نفسه سابقاً كمرشح قوي، وفي ما بعد تحدث عن مرشح توافقي»، وقالت: «النائب هنري حلو مرشح نحترمه ولكنه ليس من المرشحين الأقوياء المطروحين في البلد». أما عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت، فقال لـ «الحياة»: «للأسف أن قوى 8 آذار أصرت على تصرف غير ديموقراطي، ولولا تطيير النصاب لأصبح لدينا الآن رئيس جمهورية جديد. البعض لا يدرك أن الحرب الأهلية انتهت وأخذ ينكأ جراح الماضي عبر أسماء الضحايا التي وضعت في صندوقة الاقتراع». وفي حديث آخر أشار إلى أن «النائب محمد كبارة لم يبد أي اعتراض خلال اجتماع الكتلة الذي تبنى ترشيح جعجع»، لافتاً إلى أن «الشارع السني مع ترشيحه، وهو يؤيد التحالف مع القوات الذي تعرض لهجمة في الـ2005، والنائب ستريدا جعجع نالت أصواتا أكثر مني في عكار والضنية». ولفت فتفت إلى أن «رئيس الحكومة السابق عمر كرامي عين جعجع وزيراً في وقت سابق قبل اعتقاله، وعلق على ذلك بالقول: «إنه تعالى على جروحه من أجل لبنان»، مشيراً إلى أن «موضوع المزايدات مؤسف، وإذا أرادوا محاسبة جعجع فليعيدوا طرح محاكمة كل زعماء الحرب من دون استثناء». ولفت النائب مروان حمادة إلى أن «هناك نهجين: الأول إلغاء الدولة واستمرار السلاح ومغامرة حزب الله في سورية. والنهج الآخر يريد الدولة ويتمثل بقوى 14 آذار». وفي المقلب الآخر، لخص عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض مشهد الجلسة لـ «الحياة» بالقول: «طوي ملف ترشيح جعجع وبدأ الجد»، في حين وصف عضو كتلة «البعث» النائب قاسم هاشم لـ «الحياة» ما حصل بالقول: «اليوم جعجعة وانتهت (في إشارة إلى عدم فوز جعجع بالرئاسة) وغداً طحين. حقنا مارسناه من ضمن اللعبة الديموقراطية». وأشار إلى أن «لبنان اليوم أحوج ما يكون إلى التوافق وإلى الرئيس القادر على أن يجمع ويوحد اللبنانيين في ظل الظروف والتحديات التي يمر بها لبنان والمنطقة»، وقال إن «الرئيس بري يقوم بما تمليه عليه المصلحة الوطنية». لقاء رباعي في مكتب بري وكان سبق الجلسة لقاء بين بري وعون، ثم بين بري وعون ورئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط، الذين انضم إليهم في ما بعد رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. وقبل انطلاق جلسة انتخاب الرئيس، شهدت أروقة المجلس مشاورات جانبية بين نواب الكتل المختلفة، كما سجلت وشوشات ونقاشات بين غالبية النواب. وبدا لافتاً حرص جنبلاط على إلقاء التحية على أكثرية النواب ومصافحة النائب جيلبرت زوين، فيما سجلت مصافحة بين النائبين جورج عدوان وسليمان فرنجية. وفي بهو المجلس، احتشد الصحافيون وتوجه النواب اليهم قبيل دخولهم الجلسة، معلنين عن توجهاتهم في التصويت، على رغم أن غالبية المواقف معروفة مسبقاً. إلا أن اللافت كان التركيز على استعادة حقبة محاكمة مرشح قوى 14 آذار سمير جعجع، والإصرار على معرفة موقف هذه القوى من اعتراض بعض نواب طرابلس على التصويت لجعجع. وأعلن النائب محمد كبارة أنه لن ينتخب سمير جعجع لأنه متهم بقتل رشيد كرامي، «لكننا ما زلنا ملتزمين وحدة 14 آذار وخطها». بدوره، شدد النائب سمير الجسر على أننا «سنحافظ على وحدة 14 آذار، ونحن أحرص الناس على طرابلس». وأوضح أن «نواب طرابلس الملتزمين خط 14 آذار سيصوتون للدكتور جعجع». وانتقد النائب هادي حبيش الكلام على خصوصية طرابلس، وقال: «لم أفهم ما يقال عن هذه الخصوصية، خصوصاً أن الرئيس عمر كرامي شقيق الشهيد رشيد كرامي كان عين جعجع في حكومته فلا يحق له أن يلوم أحداً إذا انتخب جعجع». وأكد رئيس الحزب «السوري القومي الاجتماعي» النائب أسعد حردان أنه «لا يجوز أن يكون قاتل رئيساً للجمهورية»، مضيفاً: «سننتخب الشبح اليوم». وأكد زير العمل سجعان قزي أن «ترشيح الرئيس أمين الجميل قائم اكثر من أي وقت مضى، والانتخابات جولات ودورات والمهم ليس عدد الدورات بل عدد الأصوات». أما عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ألان عون، فأكد أن «التكتل سيصوت بورقة بيضاء والعماد عون مطروح كمرشح توافقي فقط ولسنا مهتمين بمبارزة انتخابية». وأضاف: «الورقة البيضاء لا تمنع أحداً من أن يصبح رئيساً إذا كان يملك 86 صوتاً، وخيار الانتخاب هو حر». وعن سبب عدم التصويت للعماد عون اليوم، أجاب «طرح العماد عون نفسه كمرشح وفاق وليس كمرشح منافسة انتخابية غير مجدية، وإذا تكوّن هذا الوفاق سيكون رئيساً للجمهورية، وفي حال عدم تكون الوفاق، فهو ليس بحاجة لأن يمر بمرحلة الترشيح. وبعد جلسة اليوم على كل فريق أن يعيد تقويم ما حصل، فهل تملك 14 آذار العدد الكافي لانتخاب رئيس أو ستعيد النظر وتذهب باستراتيجية مختلفة في الدورات التالية»؟ وفيما أعلن النائب طلال ارسلان قبل الجلسة أنه سيقترع بورقة بيضاء. قال النائب نقولا فتوش بعد الجلسة أنه أعطى صوته للنائب حلو. أما الرئيس نجيب ميقاتي فأعلن انه سيصوت للنائب هنري حلو. بدوره، شدد وزير الداخلية نهاد المشنوق على أننا «ملتزمون قرار 14 آذار التصويت للدكتور جعجع». ورأى أن «ما يحصل اليوم هو ظاهرة صحية وديموقراطية ولا يجوز التقليل من أهميتها»، لافتاً إلى أن «هناك خلافاً سياسياً طبيعياً، ولا بد من انتخاب الرئيس في إحدى الجلسات». لبنانالحكومة اللبنانية