بالتزامن مع انعقاد المؤتمر الثاني لمكافحة الإرهاب الذي تنظمه الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لوضع استراتيجية بعيدة المدى تُبنى على معالجات علمية تبحث في الأسس التي نشأت فيها بؤر الإرهاب، يحبط الأمن السعودي تهريب ستة أطفال بصحبة امرأتين سبق إطلاق سراحهما إلى اليمن.. الأمر من وجهة النظر العامة سلوك محتمل، وهذه الظاهرة جزء من فراغ نفسي وعقلي حين تتلقى المرأة تربية خاصة لا ترى إلا البعد الواحد، لكن خطورة الموضوع أن المرأة هي الحاضن للطفل وتوجيهه، وحين تكون بصفات الإرهابية، تزول من ذهنها وقيمها صورة الأم الإنسانة والرحيمة، وهذا مشكل خطير قد يتجاوز تأثير الرجل في بيئة الأطفال من أولادها وأقربائها، إلى جانب أسلوب التحريض ضد الوطن وسلطته وكل رموزه الدينية والمثقفة، إلى حد الدعوات الانتحارية كأقصى حد للتطرف الممنهج، ما يؤكد أن شراسة المرأة المؤدلجة هي بنفس روح الرجل الانتحاري باسم الجهاد.. لقد تعاملت الدولة مع أصحاب الوقائع بروح المسؤولية، لأن حساسية المرأة في مجتمعنا تفوق سلوك الرجل باعتبارها المجسد للأمومة، غير أن التمادي بتحدي الأمن وتجاوزه إلى الرغبة في الانتقام حتى من أبنائها وأقربائها يدل على شخصية غير سوية، لأن الهدف لا يسعى لإصلاح ديني أو اجتماعي، وحتى ثقافة تلك النسوة لا تعطيهن البعد الذي يرقى للفكر والثقافة الواسعين، ومن هنا صعوبة التعاطي مع هذه النوعية ممن تحكّمت في سلوكها طبيعة الإرهاب وتمكّن منها فكره، والغريب في الأمر أن خطوة الذهاب إلى قاعدة اليمن، وتهريب الأطفال مع المرأتين، خالفا القواعد الشرعية والاجتماعية في سفرهن بدون محرم، ثم الاستعانة بمهربي مخدرات ومحظورات ليكونوا مرافقين لهما وهم أصحاب السوابق في الجرائم.. ما حدث ليس قاعدة عامة تبنى عليها ظاهرات المتشددات الإرهابيات ولكنهن نموذج لحالات قد تتوسع بحدود من تقتنع بأفكارهن، وجانب الضعف والقوة عند طرفيْ العلاقة هو القدرة على التأثير والإقناع، وأمثال المرأتين قد يتجدد مع أخريات لكن الحصانة تبقى أسرية بالدرجة الأولى، لأن علامات التشدد قد تظهر من خلال سلوك الإرهابي، أو الإرهابية، وقد تكون الخدعة جاءت من رجل في البداية أو امرأة تشبعت بهذا الفكر.. الموضوع الآخر كيف وصل الأمر بمن تُعرف بأنها عنوان الرحمة إلى التضحية بذاتها وأطفالها وأقربائها تحت مظلة الاستشهاد؟ وهو تضليل لمفهوم الانتحار والإرهاب، وكيف يصل بمجتمعنا أن هناك نموذجاً للمرأة الإنسانة يصل بها إلى اندفاع جنوني يتجاوز حدود التقاليد والعادات والمُثل العليا التي اتصفت بها المرأة والرجل معاً؟ وكأي حالة شاذة وغير سوية فإن القبض على المرأتين متلبستين بالمجازفة بتخطي الحدود والمغامرة بأطفال ليس لهم ذنب إلا التغرير بهم وتقديمهم قرابين للقاعدة، هو أمر لا يصدقه العقل لولا حدوث الواقعة وشهودها، وملابساتها، ومع ذلك فهل بمقاربة ما نستطيع دراسة هذه الحالات وفهم حقيقة الإصرار على تنفيذ غايات ليست، في الغالب، من طبيعة المرأة وإنما هي من مغامرات الرجل؟ وكيف أن تلك الإنسانة التي حملت وأرضعت وحمت جنينها، تحولت إلى الجريمة المنظمة، لولا أن هناك خللاً ما في طبيعة التنشئة والثقافة والبيئة الحاضنة لهذا الفكر وسلوكه وانتهائه بأن يتحول إلى فعل مضاد لنواميس الإنسان والمرأة تحديداً؟!