عقدت أخيراً في منتجع شرم الشيخ المصري فاعليات منتدى الأعمال الأفريقي الذي أنشئ في العام 2014، بهدف دعم التنمية الشاملة والمستدامة في أفريقيا، وتعزيز التطور الاجتماعي والاقتصادي لشعوب القارة وتعزيز الاستثمار المصري وزيادة حجم الصادرات المصرية إلى أفريقيا، وكذلك للتعرف الى حوافز الاستثمار للمصنعين المصريين والأفارقة في الدول المشاركة كافة. فضلاً عن مساهمته في الدفع قدماً بآفاق العمل الأفريقي المشترك خصوصاً في المجال الاقتصادي، وتسليط الضوء على التحديات والمعوقات المشتركة التي تواجه تعزيز هذا التعاون وسبل التغلب عليها. وتقدر الفرص التصديرية المتاحة للشركات المصرية المشاركة بنحو 50 مليون دولار. شارك في المنتدى ممثلو 150 شركة مصرية و40 شركة من دول أفريقية، في مجالات عدة، بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين وسفراء لعشر دول أفريقية، هى: أوغندا، كينيا، إثيوبيا، كينيا، رواندا، تنزانيا، جنوب أفريقيا، كوت ديفوار، أنغولا، وغانا. كما شارك ممثلون للعراق كضيف شرف في المنتدى. وأسفر المنتدى عن عقد ممثلي الدول الأفريقية اتفاقات مباشرة بقيمة 78 مليون دولار، واتفاقات مبدئية بقيمة 500 مليون دولار، جاء معظمها لشركات تصنيع الأثاث والديكور والسيراميك والمنتجات الغذائية. كما وقع الملحق التجاري العراقي في القاهرة اتفاقات بقيمة 150 مليون دولار لتوريد منتجات خشبية للعراق كتعاون مبدئي في إطار خطة إعادة إعمار العراق، كما تم الاتفاق على إنشاء مصنعين للمنتجات الغذائية في أنغولا بقيمة 100 مليون دولار. وتأتي استضافة مصر للمنتدى في إطار ما توليه من اهتمام باستعادة دورها في الساحة الأفريقية، إذ تشكل القارة السمراء أولوية متقدمة على صعيد سياسة مصر الخارجية، لما لها من أهمية خاصة من المنظور الاستراتيجي المصري، نظراً الى ما تضمه من مصالح حيوية، في مقدمتها مياه النيل في ظل الحاجة الملحة لتنفيذ مشاريع تنمية مواردها في المنابع العليا لتلبية متطلبات التنمية وأمن البحر الأحمر واستقرار الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي باعتبارهما يمثلان النطاق الجنوبي للأمن القومي المصري، خصوصاً في ضوء تأثيرهما على نشاطات الملاحة في قناة السويس. ثم السودان دولة الجوار الجغرافي المباشر التي تشكل العمق الاستراتيجي للأمن الاقتصادي والعسكري، إلى جانب أهمية استقطاب الصوت الأفريقي لدعم القضايا المصرية في المنظمات الإقليمية والدولية وتوثيق العلاقات مع الدول ذات الثقل في مختلف مناطق القارة. وتحرص مصر على تعزيز شراكة تضامنية مع أفريقيا هدفها دفع قاطرة الاقتصاد والتنمية، وتعبئة الطاقات بغية تطوير الشراكات وجذب الاستثمارات وكسب مواقع جديدة وتنمية التبادل التجاري، والتنسيق مع الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص للتعريف بالمؤهلات الاقتصادية التي تذخر بها مصر خصوصاً في القطاعات الإنتاجية الواعدة مثل فرص الاستثمار في منطقة قناة السويس بهدف المساهمة في تنميتها، مع الأخذ في الحسبان البعد التنموي، وليس الاقتصادي فقط، وإدراك مصر قوة تأثير الديبلوماسية الاقتصادية في التحركات السياسية على الساحة الأفريقية ودورها في تحقيق المنافع المتبادلة. وتحتل أفريقيا أولوية متقدمة على صعيد السياسة الاقتصادية الخارجية المصرية خلال الفترة الحالية، بالنظر إلى العديد من المقومات التي ساهمت في تعظيم الأهمية الجيواستراتيجية للقارة الأفريقية، من أبرزها، أنها ثاني قارات العالم من حيث المساحة، فضلاً عن كونها تحتل من المنظور الجغرافي موقعاً متوسطاً بين قارات العالم، ما جعلها مركزاً للسيطرة على طرق التجارة العالمية البحرية ارتباطاً بتحكمها في المضايق والممرات المائية المهمة. كما يعتبر الطرف الجنوبي للقارة نقطة وثوب من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي. وتتعاظم أهمية القارة الأفريقية من المنظور الاقتصادي، إذ تتمتع باحتياطي عالمي للكثير من المواد الأولية الاستراتيجية والثروات الطبيعية، وتشكل سوقاً مهمة لتصريف المنتجات الدولية، بسكانها البالغ عددهم حوالى 1.2 بليون نسمة. وتقدر الأراضي غير المزروعة في أفريقيا بنحو 600 مليون هكتار، أي نحو نصف الأراضي الخصبة غير المستغلة في العالم. كما تغطي الغابات ما يقدر بـ23 في المئة من مساحة القارة التي تمتلك نحو 65 في المئة من الناتج العالمي من الذهب، و51 في المئة من الاحتياطي العالمي من الفوسفات، و33 في المئة من الناتج العالمي من الكروم والكوبالت، و95 في المئة من الماس، و90 في المئة من البلاتينيوم، و25 في المئة من اليورانيوم، و65 في المئة من إنتاج الكاكاو. ومن المنظور السياسي، تشكل الدول الـ54 التي تضمها أفريقيا ثقلاً رئيساً في المحافل الدولية كالأمم المتحدة (حوالى ثلث الأعضاء). وتضمنت فاعليات المنتدى شرح وزير النقل المصري أهم الطرق والمعابر التي تشارك الوزارة في إنشائها في أفريقيا، والدعوة الى تسيير قافلة تجارية من الإسكندرية حتى جنوب أفريقيا براً لتكون مصر أول دولة استخدمت ذلك الطريق الاستراتيجي، وكذا عرض هيئة تنمية قناة السويس فرص الاستثمار في المنطقة وحوافز الاستثمار للمصنعين المصريين والأفارقة. وبدراسة الدول المشاركة في القمة، نجد أن أكثر من نصف المشاركين من دول حوض النيل «6 دول» ارتباطاً بما تمثله تلك المنطقة من أهمية للأمن القومي المصري وبخاصة على صعيد الأمن المائي، وكذا باقي الدول من الدول المؤثرة في نطاقاتها الإقليمية على الساحة الأفريقية والتي تتمتع بقدرات اقتصادية وتصنيعية عالية فضلاً عما تمتلكه من مواد خام وثروات، الأمر الذي يعكس حرص مصر على تحقيق التوازن في علاقاتها على صعيد القارة الأفريقية لجعل العلاقات تشاركية وتعاونية وليست تنافسية أو صراعية. لكن العديد من التحديات والمعوقات تبرز أمام جهود التكامل بين الدول الأفريقية تتمثل في ضعف وتيرة التعاون بين التكتلات والتجمعات الاقتصادية الأفريقية نتيجة لعدم فصل دول القارة بين العلاقات السياسية من ناحية والعلاقات الاقتصادية من ناحية أخرى، وعدم وضع استراتيجيات بعيدة المدى في ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي البيني، وعدم التوافق بين سياسات الاقتصاد الكلي، وكذا بين السياسات الاقتصادية، والمالية، والنقدية بصورة كاملة مثل قابلية تحويل العملات في ما بين الدول الأعضاء، وتوحيد أسعار الصرف، وصولاً إلى عملة موحدة، والافتقار إلى ثقافة التكامل الاقتصادي اللازمة لإنجاح جهود التكامل الاقتصادي بالقارة، واستمرار تفضيل بعض الأسواق الأفريقية المنتج المستورد من خارج القارة، فضلاً عن تحسب حكومات عديد من الدول الأفريقية من انتقاص التكامل الاقتصادي لسيادتها الوطنية، وتباين إجمالي دخل الأفراد والناتج المحلي من دولة لأخرى، وصعوبة الانتقال وعدم توافر وسائل النقل واللوجستيات، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأخطار الطبيعية والسياسية في بعض الدول نتيجة طبيعة البلاد أو عدم الاستقرار ووجود صراعات، وكذا ضعف البنية الأساسية. في ضوء ما تقدم، يبرز أن الفجوة الاقتصادية الحالية بين الدول الأفريقية تحد من فرص إقامــة حوار في ما بينها وفقاً لبرنامج مشترك، مما يعني عرقلة تحقيق تكامل اقتصادياتها في المنظور القريب لتصبح اقتــصاداً واحداً، فالمعاهدات والاتفاقات الســياسية لا تكفي وحدها في دعم عملية التكامل الاقتصادي، فالارتقاء بالتعاون الاقتصادي وإنشاء السوق المشتركة وصولاً الى التكامل اقتصادي تــســتلزم التوفيق بين السياسات بغية توفير حرية الحركة لعناصر الإنتاج وبما يعزز التنافســـية بين الأسواق، ودعم التنمية الصناعية، والإنتاجية، ويكمن العائق الرئيس أمام تحقيق هذه الغاية في التباين الكبير الذي تشهده القارة في ما يتعلق بمستويات التنمية الاقتصادية والصناعية. * كاتب مصري.