×
محافظة الجوف

انقلاب شاحنة تنقل مواد غذائية

صورة الخبر

رجال في الذاكرة رجال تاريخ وعالم أكاديمي  الساسي – يرحمه الله – بقلم الكاتب / د.غازي زين عوض الله المدني غيب الموت قبل أسبوع أستاذنا الدكتور عمر الطيب الساسي عن عمر يناهز 75 عاما بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلا، خدم العلم بإخلاص ونزاهة، أثرى المكتبة الجامعية بإنتاجه الغزير، تخرج في مدرسته آلاف الطلاب منهم من حصل درجة الدكتوراه (ذكور – آناث)، كان – يرحمه الله – حارسا أمينا على سلامة لغة الضاد، فإذا ما أخطأ أحد طلابه في اللغة بادر بكل حماسة وغيرة على تصويب خطئه وإعادته إلى الصواب، واللغة في قاموسه لها حرمتها وقداستها لأنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ونحن الذي درسنا على يديه مادة الأدب المقارن طلاب الإعلام في مرحلة البكالريوس، غرس فينا حب اللغة العربية وكان يفرض علينا في منهج المادة العلمية أن نتحدث العربية بالفصحى، أثرى فينا مفرداتها وعلمنا كيف ننطق بالصوت ونبرات النغم وإجادة ضبط جرسها، وفتح لنا نوافذها على مصرعيها والدخول إليها بعلم أهل اللغة وفي الجانب الآخر كان يعلمنا كيف نكتب البحث العلمي ومناهجه ونضبطه وفق قانون تعددية المناهج واختيارنا للمنهج الذي يتوافق مع موضوع البحث. وفي مدرسته علوم ومعارف استفدنا منها نحن طلاب البكالريوس والدراسات العليا في كل مادة كان يدرسها في تخصص اللغة العربية وفي الأدب المقارن، وكان – يرحمه الله – يفتح معنا نحن طلابه باب الحوار والنقاش في كل مادة كان يدرسها لنا، وربى فينا فن الحوار وأدبياته والنقاش والجرأة في طرح المسائل العلمية دون حرج أو خجل أو وجل من هيبته حتى ولو كان النقاش ساخنا، خرج منه فن علوم الحوار الموضوعي بين أستاذ وطلاب، وبأسلوبه العلمي المعروف وديموقراطية الأستاذ وبسيناريو متقن يدير دفة الحوار بكل جدارة وعلمية، وإذا ما أردنا أن نتحدث عن الأستاذ الدكتور عمر الطيب الساسي الأستاذ الزائر للجامعات الأجنبية وبالأخص في الجامعات الألمانية بالذات التي درس فيها وتخرج منها، كانت له حصة نصيب الأسد بتدريس الأدب المقارن وبشهادة تلك الجامعات التي فتحت ذراعيها للأستاذ الدكتور الساسي أستاذا زائرا لها كان – يرحمه الله – يتميز بإتقان اللغة الألمانية التي كان يصوب بها الألمان أصحاب اللغة ويصحح لهم أخطاءهم في لغتهم الأم، وفي مجال السجال الفكري دارت معارك بينه وبين عدد من الأدباء السعوديين في الصحف حول موضوع الحداثة، نجح إلى حد كبير بحكم أنه درسها في مهدها في الغرب، فكان يعدل للأدباء ما هو مفهوم الحداثة ومناهجها وكان بعضهم يجهل مفهوم الحداثة ومناهجها بحكم أنهم درسوها مترجمة ومعربة ولم يتلقوا مناهجها ومفهومها من منابعها، كما أنهم يجهلون نظرياتها العلمية وهو العالم بها، لقد كان – يرحمه الله – يتمتع بدماثة الخلق وبرغم ما يأخذ عليه أحيانا أنه سريع الانفعال لكنه في الوقت نفسه كان يحمل قلبا صافيا ولا يحقد على أحد، كان صديقا مع طلابه والغرباء عنه، وكانت هواياته الترحال وزيارة الآثار في كل بلد يهبط فيه أو يزوره ويستثمر وقته في زيارة المكتبات العلمية الجامعية والعامة من أجل الاستمتاع بقراءة موسوعاتها ومخطوطاتها، كان يستطيع من كتبها العلمية سواء في مجال تتخططه أو غيره ما يستجد من نظريات يزود بها دائرة معرفته، كان الدكتور الساسي – يرحمه الله – ضيف حلقتنا اليوم محل تقدير واحترام بين زملائه ومعارفه وطلابه. كان يسعد بالكلمات الطيبة ويكاد يطير في السماء، وها هو اليوم يحلق في عالم الغيب والشهادة تاركا وراءه للمحبين والطلاب والأصدقاء كنوزا لا تنسى. وكان قبل وفاته – يرحمه الله – في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز الذي كان يرقد على سريره بساعتين، كان يستقبل الأستاذ الدكتور مبارك الحازمي وطلب منه أن يدعو له بالشفاء وبحسن الخاتمة، لقد وعد الحياة في بلده وورى جثمانه في مسقط رأسه في مكة المكرمة التي كان يوصي أبنائه أن يدفن فيها، نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته وندعو له بالرحمه وكلنا رجاء بأن تقرعينه بنعيم الجنة وإنا لله وإنا إليه راجعون.