إزاء تهاوي المبيعات، بدأ كبار صناع الساعات التقليدية التجاسر شيئا فشيئا على دخول عالم صناعة الساعات الذكية، لذا أعلنت ماركات عالمية مرموقة مثل مونبلا (Montblanc) عن تدشين الجيل الأول من ساعاتها الذكية، خلال معرض "بيزوورلد" (Baselworld)، الأشهر في عالم المجوهرات والساعات القيمة ويقام سنويا في الأسبوع الأخير من مارس من كل عام منذ عام 1925. في الوقت نفسه، بدأت تاج أور (TAG Heuer) باهظة الثمن في التحضير للجيل الثاني من ساعاتها الذكية من طراز "كونيكتيد" أو (Connected)، في حين أعربت عملاق صناعة الساعات "سووتش" أو (Swatch) التعاون مع ماركات كلاسيكية مثل "تيسوو" أو (Tissot) لتقديم منتجها الخاص من الساعات الذكية لمنافسة ساعات أبل وجوجل المتطورة. يسعى صناع الساعات السويسرية ذات المكانة العالمية والمعروفة بأثمانها المرتفعة، من خلال هذه التوجهات الجديدة لجذب قطاعات مختلفة من الزبائن لم تحمل في حياتها ساعة مطلقا، أخذا في الاعتبار تهاوي مبيعات الساعات التقليدية في الآونة الأخيرة. يقدر حجم صناعة الساعات التقليدية في سويسرا بالمليارات، لذا حين ظهرت الأجيال الأولى من هذه الحواسيب متناهية الصغر المحمولة في المعصم، كان رد الفعل الأول من جانب السويسريين هو التشكيك، بما يليق بالفكرة الأزلية عن الصراع بين القديم والجديد. في هذا السياق، قبل أربعة أعوام قال مدير عام سووتش، نيك حايك إنه لا يعتقد في إمكانية حدوث ثورة في عالم صناعة الساعات الذكية، وبحسب رأيه فإنه "من الصعب استبدال هاتف نقال آي فون بجهاز ملتصق بالمعصم لأسباب كثيرة أهمها حجم الشاشة". بعد عامين من إطلاق أبل ووتش، والتي تحولت لرائدة في المجال في السوق العالمي، ولا تزال، يبدو واضحا أن الساعات الذكية، لم تنجح فقط في أن تصبح ثاني الأجهزة الأكثر مبيعا في العالم بعد أجهزة الهواتف الذكية، بل بات في حكم المؤكد أيضا أنها جاءت لتبقى. وفقا لتقديرات شركة تحليل الأسواق (IDC) بيع العام الماضي نحو 49 مليون ساعة ذكية، فيما تتوقع أن يصل حجم المبيعات 150 مليونا بحلول عام 2021، وهي تقديرات بالغة الصعوبة، أخذا في الاعتبارات أنه في أحسن الأحوال، تعول الشركات على مؤشرات بطيئة فيما يخص مبيعات المستقبل. في الوقت نفسه من المتوقع أن تتغير التقديرات، نظرا لأن الجيل الجديد من هذه الأجهزة لم يتم تحديد هوية أو تعريف جامع مانع له. فهل هي ساعة تتضمن استخدام العديد من التطبيقات مثل الهواتف الذكية؟ أم أنها مجرد جهاز لقياس الوقت يحتوي على رقاقة لحساب المسافة التي يقطعها العداءون ورقاقات أخرى غيرها؟ لهذا السبب، تشير تقديرات " Strategy Analytics "، وهي شركة متخصصة في تحليل أداء أسواق التكنولوجيا، إلى أن حجم مبيعات الساعات الذكية أقل بكثير، تحديدا 21 مليونا فقط، فيما تصل حصة آبل منها إلى 55%، مشيرة إلى تزايد المبيعات في موسم أعياد الميلاد مع إطلاق الجيل الثاني من ساعات آبل الذكية، مستهدفا على وجه الخصوص عالم اللياقة البدنية والرياضة بصفة عامة. وأيا ما كان، فقد أصبحت الساعات الذكية تمثل تهديدا حقيقيا لعرش الساعات التقليدية، أخذا في الاعتبار عنصر آخر يتمثل في أن الساعات الأكثر مبيعا من الموديلات الأرخص سعرا، مقابل مزيد من التراجع في مبيعات الساعات الفاخرة، ومن ثم كلما توافرت في الأسواق منتجات بأسعار مماثلة كلما أثر ذلك سلبا وبصورة مباشرة على أداء المصنعين. وتتحدث الأرقام عن نفسها بدون رتوش: ثلث الساعات السويسرية المصدرة العام الماضي والبالغ عددها 4ر25 مليون ساعة لا يزيد ثمن الواحدة منها على 200 فرنك (186 يورو). ومع ذلك يبقى أن ثلث إجمالي المبيعات المقدرة بنحو 2ر18 مليون فرنك، مصدره مبيعات ساعات يصل سعر الواحدة منها 3000 فرنك. ربما لهذا لم تخف كبرى شركات صناعة الساعات التقليدية السويسرية فرحتها بالفشل الذريع الذي منيت به آبل حين فشلت في ترويج منتجها من الساعات الذكية الذهبية والبالغ قيمة الواحدة منها 10 آلاف يورو، مما اضطرها لسحب المنتج من الأسواق بعد عام واحد من طرحه. ومع ذلك، لا يعني فشل محاولة آبل في اقتحام سوق الساعات الأكثر رفاهية والحصول على شريحة منه أن عالم صناعة الساعات التقليدية لا يواجه تهديدا حقيقيا. يؤخذ في الاعتبار أيضا أن ارتفاع نسبة الضرائب المفروضة على المنتجات الفاخرة والسلع الاستفزازية في الصين ، وتراجع سياحة التسوق في معظم كبرى المدن الأوروبية، جنبا إلى جنب مع قوة الفرنك السويسري، كلها عوامل أدت إلى تراجع أرباح منتجي الساعات السويسرية إلى أكثر من 10% العام الماضي. ك.ف;