يطرح الفيلسوف الفرنسي رونالد بارت في إحدى مقالات كتاب الميثولوجيا علاقة المظهر الخارجي للناخب البرلماني الفرنسي بالبرنامج الذي يطرحه للجماهير. صورة الناخب الشخصية أو البورتريه الذي يريد أن يراه الناس هو جزء من رسالته التي يطرحها. فالناخب الشاب يقدم صورة عصرية مقارنة بالرجل العسكري أو الشخص الديني. وما ينطبق على الحالة الفرنسية ينطبق على حالات أخرى تسعى إلى تسويق نفسها جماهيريا عن طريقة الصورة. فلا يهتم الناخب، مثلاً، بعناء قراءة برنامج المرشح الديني، ويكتفي بقراءة صورته التي تدل على برنامجه. تذكرت مقال رونالد بارت وأنا أتأمل صورة لأحد أمراء الحرب من "داعش"، وهو يرتدي ما يظنه لباس المحاربين القدامى في الإسلام، وهي صورة لم تنتجها أدبيات الفتوحات التي لم تصل إلينا عبر فن التصوير أو الرسم، وربما وصفتها كتابة، واقتباس الصورة التي يظهر عليها الداعشي بلحيته الكثة وشعر رأسه الطويل إلى كتفيه، ولباسه الأقرب للباس الأفغاني، ربما جاء نتيجة أعمال تلفزيونية قدمت شخصية القائد والمقاتل المسلم. تلك الصورة التاريخية التي يرى المقاتل الداعشي أنها الصورة التي كان عليها أسلافه، والتي حققوا عن طريقها فتوحاتهم وانتصاراتهم العريضة. وهي في الوقت ذاته الصورة التي يرى أنها الأكثر إغراء للشباب للانضمام إلى صفوفه المقاتلة، وفي ذهنه أسماء قادة ومجاهدين جسَّدتهم كتب التاريخ يرغب باقتفاء أثرهم. مقاتلو "داعش" لا يرون في الصورة الحديثة للمقاتل أو الجندي الغربي، ومن ثم العربي الذي تتلمذ عسكريا على يدي المدرسة الحديثة، ما يدل على هويتهم، ولا على خطابهم الموجه لجماهير يعرفون كيف يثيرون حماسها. الأردية السوداء والعمامة والراية والاهتمام بالمظهر الخارجي هي النقيض للباس الحرب التقليدي الذي اعتمدته جيوش العالم تقريبا. وكأن تلك إشارة واضحة للجمهور أن تلك هي الصورة الإيمانية مقابل الصورة الكفرية، وهو خطاب لا يحتاج إلى كثير من الدلالات، ويكتفي بالشكل الخارجي كدلالة واضحة على رسالته. هذه الصورة التي يقدمونها تمثل نموذجا غريبا ومتناقضا لا ينتبه إليه صاحبه ولا المعجب به. الصورة التي ارتبطت بالخيل والسيف والرمح والدرع والترس أبقت المظهر الخارجي للمقاتل، لكن أسلحته لم تعد هي أسلحة الماضي الذي يعيش فيه ويعتمده منهاجا. فبالإضافة لاستعمال اللباس الإيماني هو يستخدم البندقية الحديثة والقنبلة والمدفع والطيارة بدون طيار وسيارة الدفع الرباعي، ويستخدم وسائل الهجوم والدفاع التي لم يستخدمها أسلافه من قبل. الأكثر قربا لهذا الجذب الماضوي، ما فعله بعض رجال الدين الذين ساهموا بانخراط الشباب في متاهة الإرهاب وهم يمتطون الخيول في مكان آمن، بعيدا عن مكان القتال، في محاولة لترسيخ الصورة الجهادية التي رسمها التاريخ. بالتأكيد "داعش" لن يستطيع المقاومة باكتمال مظهره القتالي المطابق تماما للمقاتل القديم، وعليه أن يكون مرتبطا بالماضي من جهة، والحاضر من جهة أخرى، لكنه لا يستطيع تبني خطاب مماثل لهيئته. ليس بإمكانه تقديم خطاب حضاري، وإن كان مستفيدا من الماضي أو مبنيا عليه. وما يقدمه، هو محاولة يائسة لا يمكن أن يحقق منها سوى النجاح في تأكيد فشل خطاب الأمس وملابس الأمس وصورة مقاتل الأمس ونفور الناس من تاريخها الذي شوهه "داعش" وأخواته وهيو يظن أنها تحييه.