لوس أنجليس: محمد رُضا حسب الموقع الالكتروني «www.the - numbers.com»، وهو موقع جاد ومسؤول يختص بلغة الأرقام حول واردات الأفلام وصانعيها، فإن الأفلام التي قاد الممثل جوني دب بطولتها إلى اليوم (32 فيلما) جمعت حول العالم ستة مليارات و51 مليونا و338 ألف دولار. هناك أفلام ظهر فيها ضمن مجموعات ممثلين (سبعة أفلام) وأخرى في أدوار مساندة (خمسة) غير محسوبة، لكن إذا ما جرت إضافة إيراداتها إلى الرقم المذكور أعلاه، فإن الرجل حقق لأفلامه ما يتجاوز ثمانية مليارات دولار على شكل إيرادات من السوق السينمائية وحدها. * صراع غير وحيد * اليوم، ومع بدء عرض فيلمه الجديد «تفوّق» (Transcendence) ينبري السؤال حول ما إذا كان جوني دب سيحقق الموعود منه، ويصنع النجاح المأمول لهذا الفيلم الجديد له، أو أن النتيجة التجارية ستكون وخيمة العاقبة كما حال أفلام حديثة له سقطت، وبعضها (مثل «ذا لون رانجر») بدويّ كبير. الجواب حرج، لأن الفيلم الجديد لا يبدو قادرا على إحداث تغيير كبير في مجرى حياة الممثل المهنية داخل أميركا، لكن شعبيته العالمية قد تساعده، مرّة أخرى، على تحاشي السقطة الكبرى. «تفوّق» من نوع الخيال العلمي لمخرج جديد اسمه والي فيستر، الآتي من إدارة التصوير وفي جعبته 43 عملا في ذلك الميدان وحده، من بينها أفلام كريس نولان الثلاثة من سلسلة «باتمان»، وهي «باتمان يبدأ» (2005)، و«الفارس الداكن» (2008)، و«الفارس الداكن يصعد» (2012). وهو أيضا من كتابة طارئ جديد على المهنة اسمه جاك باغلن سبق له أن ظهر ممثلا في فيلمين قصيرين، آخرهما «أمان» سنة 2007. لكن حداثة المخرج والكاتب ليست ذا بال أمام الجمهور السائد. إذا ما أقبل على الفيلم الذي سيرى نور العرض خلال الأسبوعين المقبلين، فإن ذلك سيكون تحت راية جامعة بين الموضوع الذي يدور حول صراع من أجل البقاء بين عالم اسمه ول (جوني دب) والمحافظين الذين يرون في إقدامه على اختراع آلة من شأنها تكوين إنسان جديد مع الاحتفاظ بكل خصائصه الفكرية والشعورية، أمرا يعارضه علماء وجهات محافظة داعية إلى إفشال جهوده على أساس أنها تتعارض والمسلّمات. لكن صراع جوني دب مع المحافظين ليس هو الصراع الوحيد في هذا الموضوع، وربما ليس الصراع الأساسي، بل صراعه مع سوء الطالع الذي واجهه في أفلامه الأخيرة. هذا ما يعيدنا إلى الأرقام أعلاه. في مقدّمة أفلامه الناجحة سلسلة «قراصنة الكاريبي» التي جرى تحقيق أربعة منها ما بين 2003 و2011. هذه جمعت، وحدها، قرابة أربعة مليارات دولار. أعلاها شأنا الجزآن الثاني والرابع، إذ حقق «كنز الميّت» سنة 2006 مبلغ مليار و60 مليونا و615 ألف دولار، بينما حصد «موج الغريب» (2001) رقما قريبا جدا هو 1.043.663.865 دولار. لكن باقي أفلام جوني دب في السنوات الثلاث الأخيرة تهاوت. «مفكرة الروم» جمع 22 مليون دولار عالميا، «ظلال داكنة» أنجز دخلا محدودا في الولايات المتحدة (80 مليون دولار)، ولو أنه حقق 157 مليونا خارجها، أما «ذا لون رانجر» الذي تكلف 275 مليون دولار فلم ينجز أكثر من 260 مليون دولار عالميا. هذا الفيلم أرسل شارات الإنذار تدوي من وول ستريت إلى هوليوود. قبل هذه السنوات الثلاث، لا يمكن اعتبار أفلام جوني دب بالغة النجاح أيضا، خصوصا داخل العرين الأول الذي يطمح إليه كل ممثل، وهو السوق الأميركية. «السائح» حل فاترا في أميركا وناجحا خارجها سنة 2010، و«أعداء الشعب» (حيث لعب دور زعيم العصابة جون دلنجر سنة 2009) أنجز أرقاما جيّدة لكنها أيضا محدودة: 97 مليون دولار داخل أميركا و113 عالميا. * شخصيات موتورة * جوني، الذي وصل هذا الأسبوع إلى الصين لترويج فيلمه الجديد «تفوّق»، يعي الورطة التي يعيشها. فمن دون جزء جديد من «قراصنة الكاريبي» (وهو سيكون الخامس في هذه السلسلة ويجري تحضيره حاليا للبدء بتصويره قبل نهاية هذا العام)، لا يبدو أن هناك اهتماما كبيرا بماضيه أو بحاضره كفنان وممثل. للتذكير فإن حياة جوني دب على الشاشة بدأت واعدة وحققت وعدها خلال فترة قصيرة. لقد بدأ ممثلا مساندا في فيلم رعب ناجح هو «كابوس شارع إلم» سنة 1984، ونفذ منه إلى التلفزيون حيث لوحظ بنجاح في سلسلة «21 جامب ستريت» ما بين 1987 و1990. مع نهاية المسلسل اختاره المخرج تيم بيرتون لبطولة فيلمه الذي لا يخلو من الغرابة «إدوار سيزرهاندز»، حول ذلك الشاب الذي يملك يدين من مقصين يستخدمهما في تصفيف شعر السيدات، كما في قطع الأشجار وتصميم النباتات. ثلاثة أفلام ناجحة نوعا ما بين مثقفي السينما، بعد ذلك هي «حلم أريزونا» و«بني وجون» و«ما الذي يزعج غيلبرت غرايب»، قبل أن يدلف سنة 1994 إلى دوره الثاني تحت إدارة بيرتون، وهو «إد وود». إد وود كان مخرجا هوليووديا فاشلا في الخمسينات. لُقّب، وبجدارة، أسوأ مخرج أميركي. كذلك كان شخصية نزقة لها تصرفات شاذة تنم عن سلوك غير سوي (قال إنه كان يرتدي ملابس نسائية تحتية خلال الفترة التي انتقل فيها إلى جبهات القتال خلال الحرب العالمية الثانية ضد القوات اليابانية). جوني، من زاوية اهتمام بتصنيف نفسه كممثل مقبل على الأدوار المختلفة وغير التقليدية، انكب على تشخيص إد وود بكل ما لديه من موهبة وخلق منه صورة ماثلة لوّنت، لاحقا، أداءاته أكثر من مرة. من يرقب، على سبيل المثال، شخصيته في سلسلة «قراصنة الكاريبي» يلحظ أنه ما زال يعيش نتفا من شخصية إد وود ممتزجة جيدا بتطوير تلك الملامح إلى أداء خاص به. هو بدوره على الشاشة في هذه الأفلام يبدو، بالقصد، نزقا، متهوّرا وغير أخلاقي. بالمقارنة مع ممثلي أفلام قراصنة سابقين، لنقل إيرول فلين في «صقر البحر» (إخراج مايكل كورتيز - 1940) أو دوغلاس فيربانكس جونيور في «سندباد البحار» (رتشارد والاس - 1947)، أو جون باين في «ذهب الكاريبي» (إدوارد لودفيغ - 1952)، هو أكثر جنوحا في أخلاقياته من هؤلاء جميعا علما بأن القرصان، كشخصية تاريخية، لم يكن رجلا مثاليا أو مصلحا مثلا. أقرب النماذج إليه هو نموذج بيرت لانكاستر في فيلم روبرت سيودماك «القرصان القرمزي» (1952)، لكن لانكاستر كان أنسب من بين كل الذين لعبوا دور القرصان من حيث لياقته البدنية وخفّة حركته ومرحه. مثلهم لم يكن شخصية أخلاقية، لكن مثلهم أيضا انتهى إلى امتحان في هذا الجانب نجح فيه، ولو من باب الحفاظ على صورته بين المعجبين. منطلق جوني دب مختلف، كذلك سينما القراصنة الحالية. معا شكّلا نقلة معادية للتقليد تشبه نقلة روبرت داوني جونيور التي أعاد، وصانعي سلسلة «شرلوك هولمز» التي قام داوني ببطولتها، من خلالها رسم ملامح غير حقيقية حتى لما دار بخلد آرثر كونان دويل، حين جلس يكتب رواياته. المخرج تيم بيرتون والممثل جوني دب عملا معا بعد «إد وود» على سبعة أفلام أخرى أنجحها تجاريا «أليس في بلاد العجائب» سنة 2010. لكن دور جوني دب فيه كان مساندا، مما يعزز الاعتقاد بأنه بعيدا عن «قراصنة الكاريبي»، فإن مستقبل هذا الممثل في خطر.