بدأت إدارة ترمب فتح الملف الفلسطيني الإسرائيلي في وقت مبكر. والمختلف بين ترمب ومن سبقوه في معالجة هذا المسار أنه يفكر في استخدام الثقل العربي بصورة أفعل مما حاول أسلافه استخدامه، بمعنى نقل الرقم العربي في المعادلة من داعم وممول إلى شريك ومقرر. وإذا كان هذا سيستمر في مرحلة الإعداد للمفاوضات وفي أثنائها، فالكاسب الأكبر من هذه النقلة النوعية هم الفلسطينيون أولاً. لو راجعنا محاولات التوصل إلى تسوية، وأهمها قادها الأميركيون، فإن تحجيم الدور العربي وحتى غير العربي في العمليات السياسية، أدى إلى فراغات مؤثرة، وإلى حالة من انعدام التوازن في القوى والأوراق جعلت الطرف الإسرائيلي هو الوحيد من يقرر المنع أو المنح. كانت العلاقة العربية الفلسطينية في مجال التسوية مريحة للطرفين، إلا أنها لم تكن فعالة، فالفلسطينيون استمتعوا بمعبودهم النظري «القرار المستقل»، وظنوا أنهم يمارسونه بالفعل ويؤكدون من خلاله حريتهم في اتخاذ القرار بأي اتجاه يريدون، والعرب من جانبهم كانوا مرتاحين لموقع الداعم لأي قرار يتخذه الفلسطينيون، فكانوا جالسين على قارعة المسار، يستقبلون الطلبات الفلسطينية، وكلها مالي، فيلبون هذه الطلبات، وكفى الله العرب شر التورط في شأن قد يتهمون فيه بفرض تسويات على الفلسطينيين لا يحبونها ولا يرون فيها ما يطلبون. ولو صدق السيد ترمب فيما سرّب عنه من أنه يرى دوراً عربياً فعالاً في المفاوضات المرتقبة، وبداهة أن يكون للعرب دور في بلورة الحلول حال التوصل إلى صياغاتها، فهذا ما ينبغي أن يسعد به الفلسطينيون أكثر من غيرهم، وأن يبتعدوا عن هواجس ضغط عربي عليهم مثاره الشك في تواطؤ يفرض عليهم حلاً لا يرغبون فيه. ومع التسليم ببديهية أن العرب متوغلون فعلاً في قضايا شائكة، إلا أنهم ليسوا مضطرين للمقايضة على حساب الحقوق الفلسطينية. إن جلوس العرب على الطاولة أو حولها، هو ميزة لهم أيضاً وليس عبئاً عليهم كما يظن.. إنه في الواقع استثمار مشترك لأوراق التأثير في المعادلة، ذلك أن الفلسطينيين غالباً ما كانوا يذهبون إلى المحطات المفصلية في المفاوضات وهم عراة من الأوراق الفعالة، ولم يكن بحوزتهم سوى الحقوق المكفولة بالقانون الدولي، وفي عهد ترمب - نتنياهو، فإن مثل هذه الورقة لا تقدم ولا تؤخر. إن التحليل الموضوعي لموقف الدول العربية من القضية الفلسطينية، يشير إلى أن تسوية هذه القضية لا تزال وفق كل الحسابات شرطاً أساسياً لتسوية العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، فإن تراجعت مكانة القضية الفلسطينية في الاهتمام العربي، بفعل ظهور قضايا موازية أو منافسة، فإن هذا التراجع لا بد وأن يظل مؤقتاً، والدائم هو استمرار الجذر الفلسطيني في إنتاج حالة من عدم الاستقرار، مما يشكل شوكة تؤلم الجنب العربي حتى لو كان معافى من كل قضاياه الخاصة. والعرب أصحاب المبادرة التي دبت فيها الحياة من جديد، لا يملكون فقط أوراق قوة مادية تحسّن وضعهم في لعبة المساومات، بل إنهم كرّسوا أنفسهم كقوة اعتدال تحرج الأميركيين والإسرائيليين لو تجاهلوها ولو لم يقيموا وزناً لها. ونهج الاعتدال الذي لا تراجع عنه على الصعيد العربي والإقليمي هو الورقة الأقوى والأفعل والأسهل تسويقاً للاعبين الرئيسيين في هذا المجال، ولو حدث أن وجدت صيغة عملية لدور عربي أكثر فاعلية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فإن ما يحتاجه الفلسطينيون هو ترشيد وعيهم لحكاية القرار المستقل، وتنظيم إدارة أكثر صراحة ودقة في إدارة العلاقات مع العرب، مع قدر أعلى من المصداقية في تبادل المعلومات والثقة، ذلك رغم الزيارات والتصريحات لم يكن متوفراً فيما مضى، مما أنتج شكوكاً وصلت إلى حد الاختلاف العلني وتبديد الأوراق، وإذا كان انتقال العرب من موقع الداعم إلى موقع الشريك هو أحد ضمانات التقدم في زمن مساومات ترمب، فإن خدمة الشراكة وإدامتها هي مسؤولية مشتركة تحتاج إلى جهاز متفرغ لهذه الغاية، وبغير ذلك فلا دعم ولا شراكة يجديان.