يلاحظ المتتبع لعوالم مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية -لا أخصص هذه القنوات- يلاحظ ما يكون عليه مشاهيرها من الابتداع في الطرح واللغة والسلوك. على سبيل المثال، مصطلحاتهم التي تنتشر بسرعة البرق. من تلك المصطلحات «يمقن، حبيت، بطل، يا جعل ما أشوف غيرك، أنت› وتأكل..»، وغيرها كثير من المصطلحات التي تمس الهوية واللغة بشكل مباشر. هذه المصطلحات تأثيرها أقوى بكثير من تأثير لغة وثقافة أخرى على هويتنا. أضف إلى ذلك تلك العبارات المكتوبة التي يتداولونها فيما بينهم، وبزعمهم أنها «موضة» فيرون أنها صالحة للتداول، وما ذلك إلا «حشفا وسوء كيلة». قد يقال: إني أبالغ أو أُصعّد موضوعا لا تأثير له، ورأيي أن الأمر خطير، خصوصا أن المتأثرين بهذه الكلمات هم النشء من الثامنة وحتى مرحلة الجامعة. هولاء لم يتشكل وعيهم وثقافتهم، وليس لديهم استيعاب للضرر المحدق الذي يحوم حول هويتهم، سواء في اللغة أو السلوك الذي يعمد إلى تسطيح كل شيء، في كل ما يخص حياتهم، أو القيم الاجتماعية، أو ثقافة الأكل واللبس، أو العمل أوالعلاقات الاجتماعية. كل هذا يظهرونه في قالب سطحي، خلال مواقع التواصل الاجتماعي. أعني بهذا تصوير تفاصيل حياتهم، والاعتماد عليها لجذب الأنظار والانتشار. كل هذا يخلق جيلا مقلدا يهمه نفسه بالدرجة الأولى، متخليا عن القيم والأخلاق، بل يعمد إلى تسطيح شخصيته بدلا من أن يكون أحدهم شخصا مؤثرا مثابرا محافظا على ما تربى عليه، يصبح ساذجا سطحيا يتبع كل جديد دون وعي، حتى ينتهي به الأمر بلا هوية. الانسياق خلف الأشخاص المشهورين، يخلّف ثقافة هشّة ركيكة، لا يُعتمد عليها في صناعة جيل متماسك قوي، قادرٍ على خلق أساس قوي لحياته، سواء الحياة التعليمية المعتمدة على اللغة وآدابها والاهتمام بها، أو الحياة العملية، وهي تبدأ بصناعة الذات دون انتظار من يقدم لهم مجدا على طبق من ذهب. ما يغيب عن أبنائنا، أن هؤلاء المشاهير لا تاريخ لهم، ولم يكونوا أصحاب سنين من الشقاء والعمل -إلا قلة قليلة جدا منهم- حتى برزوا وأصبحوا أولي شأن عظيم، كل ما في الأمر أنهم مدعومون من جهات معينة، وخدمهم الإعلام الحديث. هؤلاء -بلا وعي منهم- يؤثرون على هويتهم، وبلا وعي أيضا، يتأثر بهم أبناؤنا. هذا الجيل الذي يعرف عشرات من الأسماء المشهورة، ولا يعرف شاعرا أو روائيا واحدا من كُتّاب بلده، وربما لا يقرأ آية قرآنية أو نصا قصصيا قراءة صحيحة، هؤلاء هم من نحزن عليهم ولهم وبعمق، وليس الفقير الذي يتفيأ ظل شجرة، ويفترش كرتونا يلمع الأحذية، وفي فترة فراغه يستذكر دروسه ويؤدي واجبه. الفرق بينه وبينهم، أنهم بلا هدف، وهو له أهداف عدّة.