×
محافظة المدينة المنورة

فجرٌ آخر ليس إلا.. !

صورة الخبر

أصبحت (الموضة) هذه الأيام لدى بعض شبابنا المغيبين الميل إلى تأليه زعامات تاريخية، ولهذا فمن الطبيعي أن يرفض هذا البعض أي قراءة مغايرة لصورة الزعيم البطل التي انطبعت في مخيلته، والتي كثيرًا ما تقترن بعصور إسلامية سابقة. لذا لم يكن من المستغرب أن يثير كتاب "دور السلطان عبدالحميد في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين" الذي صدر حديثًا للباحثة الأردنية فدوى نصيرات والتي ذكرت فيه، وفق ما جاء في قراءة الأستاذ خالد الحروب للكتاب في جريدة الحياة مؤخرًا، أن عدد اليهود في فلسطين خلال حقبة حكم السلطان عبدالحميد تضاعف ثلاث مرات، وأن بناء المستوطنات اليهودية وإنشاء الشركات التابعة للمنظمات الصهيونية والنفوذ الصهيوني في فلسطين خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها تفاقم وظل في تزايد مستمر، علمًا بأن حكمه انتهى عام 1909 أي قبل صدور وعد بلفور وقبل الاحتلال البريطاني لفلسطين الذي تم في نهاية الحرب العظمى. ردود الفعل المتشنجة من قبل البعض على كتاب الباحثة فدوى نصيرات جاءت رغم خلو الكتاب من أي تهم للسلطان عبدالحميد بالخيانة أو التواطؤ مع هيرتزل لبيع فلسطين، لكنه - كما يذكر الحروب - اتهم بالسياسة التفريطية والمناورة الفاشلة والتردد الذي وفر الوقت الكافي للحركة الصهيونية كي تجمع جهودها ونفوذها وتترجمه عمليًا على أرض فلسطين. ردود الفعل تلك ذكرتني بنموذج آخر لصورة البطل الخارق للعادة والذي يعتبر انتقاده خروجًا عن المألوف في نظر الكثيرين وإلى حد التكفير. هذا البطل هو صلاح الدين الأيوبي، فيما أن القارئ المتمحص والباحث المتعمق في التاريخ يعرف جيدًا أن نور الدين محمود ووالده عماد الدين زنكي وقطز والظاهر بيبرس كانوا أبطالًا في معاركنا الكبرى مع الصليبيين لا يقلون في بطولاتهم عن صلاح الدين، وأن التاريخ لم يفيهم حقهم الذي يستحقونه. فيكفي أن عماد الدين زنكي حرر اثنان من الممالك الصليبية الأربعة في عهده (انطاكيا والرها)، فيما انصرف ابنه نور الدين محمود لإكمال مسيرة التحرير وباشر ببناء المنبر الذي سيوضع فيما بعد في المسجد الأقصى ويعرف بمنبر صلاح الدين. ويكفي أن بيبرس وقطز وغيرهما من قادة المماليك لم ينتصروا فقط على الصليبيين ويطردونهم من القدس والمشرق العربي شر طردة، وإنما انتصروا أيضًا على التتار وعلى الحشاشين (Assassins) الذين كانوا يتحالفون تارة مع الصليبيين وتارة مع المغول (التتار)، والذين يعتبرون الدعاة الأُول للإرهاب والتطرف الإسلامي الذي تعاني منه الأمة الآن. ليس من الصعب أن ندرك لماذا يمنح التاريخ حمايته وبركته لبعض القادة التاريخيين ويعلي من شأنهم، ويضن بالمجد على البعض الآخر ممن يستحقون التمجيد بالفعل. فصلاح الدين كان بطلًا بشهادة التاريخ، لكن التاريخ الذي أنصفه لم ينصف بنفس القدر قطز وبيبرس. وقال المؤرخون، بما في ذلك ابن كثير وابن الأثير، إن صلاح الدين عندما مات لم يكن يمتلك من المال إلا حفنة دنانير، ولكن التاريخ قال أيضًا أن أبناءه وإخوته ورثوا الدولة الأيوبية وممالكها، ودب بينهم النزاع والتنافس على السلطة، حتى أن تلك الدولة لم تعش إلا بضع سنوات بعد وفاته، وكانت من أقصر الدول الإسلامية عمرًا.