أنقرة - وكالات - كسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرهان، ونجح بالحصول على توسيع كبير لسلطاته الرئاسية، بعد فوز مؤيدي الإصلاحات الدستورية التي يريدها، في الاستفتاء التاريخي الذي أجري، أمس، ومن شأنه أن يغير شكل النظام السياسي في البلاد ويعيد تعريف العلاقات مع الغرب.وأظهرت النتائج شبه النهائية فوز مؤيدي التعديلات الدستورية بنسبة 51.3 في المئة، مقابل معارضة 48.7 في المئة، فيما بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء نحو 86 في المئة.ودعي نحو 55,3 مليون ناخب إلى الادلاء بأصواتهم في 167 ألفاً و140 صندوقاً في جميع محافظات البلاد الـ81، في إطار الاستفتاء الشعبي الذي يشمل إلغاء منصب رئيس الحكومة لصالح رئيس تتركز بين يديه صلاحيات واسعة.وأكد أردوغان أن الاستفتاء بشأن توسيع صلاحياته الرئاسية هو تصويت من أجل مستقبل تركيا. وقال بعدما أدلى بصوته في الشطر الآسيوي من اسطنبول «ستتقدم أمتنا إن شاء الله هنا وفي الخارج نحو المستقبل هذا المساء بقيامها بالخيار المنتظر».وشدد على أن الاستفتاء ليس عملية اقتراع «عادية» بل يهدف إلى «تغيير نظام الحكم»، و«إنني على قناعة بأن شعبنا سيختار فتح الطريق أمام تنمية أسرع، وقفزة حقيقية إلى الأمام».وأضاف «علينا القيام بخيار غير اعتيادي لنرتقي إلى مستوى الحضارة المعاصرة التي أرادها مصطفى كمال» أتاتورك مؤسسة الجمهورية التركية.ويعني فوز الـ»نعم» في الاستفتاء، أن أردوغان، الذي نجا من محاولة انقلاب قبل تسعة اشهر، سيتمتع بصلاحيات معززة جداً ويمكنه أن يبقى نظرياً رئيسا حتى 2029، علماً أن الرئيس البالغ من العمر 63 عاما شغل منصب رئيس الحكومة من 2003 الى 2014 قبل أن ينتخب رئيساً.من جهته، أعلن رئيس الوزراء بينالي يلديريم، بعدما صوت في مدينة ازمير (غرب)، ان «حكم الشعب سيحترم» أياً تكن نتيجة الاقتراع.في المقابل، قال زعيم أكبر أحزاب المعارضة «حزب الشعب الجمهوري» (اشتراكي ديموقراطي) كمال كيلتشدار أوغلو «اليوم (أمس) يُعرض مصير تركيا للتصويت عليه. ليتوجه كل مواطن الى مراكز الاقتراع وليصوت بشكل مسؤول».وكان زعيم المعارضة تساءل خلال تجمع قرب العاصمة، أول من أمس، «هل تريد (تركيا) الاستمرار في ديموقراطيتها البرلمانية أم الانتقال الى نظام حكم بيد رجل واحد؟». وشبه النظام الذي تريده سلطات اردوغان بـ«حافلة من دون مكابح لا تعرف وجهتها».وجرت عملية الاقتراع وسط إجراءات أمنية مشددة، بحماية نحو 380 ألف شرطي نشرتهم السلطات في أنحاء البلاد لضمان حسن سير الاقتراع، من بينهم نحو 33 ألفاً و600 شرطي في اسطنبول.وجرت عمليات التصويت في استفتاء من دون حوادث تذكر، فيما قتل شخصان بعد تعرضهما لإطلاق نار اثناء التصويت في مدينة ديار بكر جنوب شرقي تركيا.وذكرت وكالة «دوغان» للأنباء ان حادث تبادل إطلاق نار وقع في ساحة مدرسة تستخدم كمركز للاقتراع بقرية ياباناردي في ديار بكر بين مجموعتين، بسبب اختلاف وجهات النظر السياسية بينهما.وكانت الحكومة قد أكدت أن هذا التعديل لا بد منه لضمان استقرار البلاد ومواجهة التحديات الامنية والاقتصادية، لكن المعارضة رأت فيه جنوحاً الى الاستبداد من قبل رجل تتهمه بإسكات كل صوت منتقد، خصوصاً منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو من العام الماضي.وقال اردوغان خلال سلسلة طويلة جداً من التجمعات الانتخابية، أول من أمس، «غداً (أمس الأحد) ستتخذ تركيا واحدا من اهم القرارات في تاريخها»، مضيفاً ان «النتائج تبدو جيدة لكن ذلك يجب ألا يجعلنا نتكاسل. إن نعم قوية ستشكل درسا للغرب» وذلك بعد كان انتقد بانتظام الاتحاد الاوروبي اثناء حملته.وفي السياق، أفاد تقرير وقعه سنان ايكيم وكمال كيريشي من مركز «بروكينغز انستيتيوت» ان إقرار التعديلات «سيؤدي إلى أكبر عملية إعادة هيكلة في 94 عاماً من تاريخ السياسة التركية ونظام الحكم فيها».ونددت المعارضة في الأسابيع الاخيرة بحملة غير منصفة مع هيمنة واضحة لأنصار أردوغان في الشوارع ووسائل الاعلام.وشهدت الحملة بعض الاضطرابات لـ«حزب العدالة والتنمية» الحاكم الذي يدعم مع «حزب العمل القومي» هذا المشروع، في إطار تحالف ضروري لكنه هش.واضطر الرئيس الجمعة الماضي لطمأنة حلفائه القوميين بعدما اتهم زعيم «حزب العمل» دولت بهجلي أحد مستشاري اردوغان بأنه أعلن ان الفيديرالية احتمال قائم بعد الاستفتاء. وقال الرئيس التركي «لا يوجد شيء من هذا القبيل».وأوردت وسائل الاعلام التركية ان جميع مستشاري ووزراء «حزب العدالة والتنمية» اضطروا لالغاء كل مشاركاتهم التلفزيونية في الساعات الاخيرة للحملة لتفادي ارتكاب أي هفوة.أبرز التعديلاتاسطنبول - ا ف ب - في ما يلي التعديلات الرئيسية في الاصلاح الدستوري التي وافق عليها الناخبون الاتراك، في الاستفتاء:تعزيز صلاحيات أردوغانتقضي هذه التعديلات بمنح سلطات تنفيذية معززة للرئيس رجب طيب اردوغان الذي سيتمكن من تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين.كما سيُلغي منصب رئيس الوزراء الذي يتولاه حالياً بينالي يلديريم ليعين رئيس الدولة نائباً أو أكثر له عوضاً عنه.وستسمح التعديلات للرئيس بالتدخل مباشرة في عمل القضاء، كما سيختار بشكل مباشر أو غير مباشر ستة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء.كذلك ينص على إلغاء المحاكم العسكرية التي سبق أن دانت ضباطا وحكمت على رئيس الوزراء السابق عدنان مينديريس بالاعدام إثر انقلاب 1960.حالة الطوارئوفقاً للاصلاح الدستوري، تقضي التعديلات بفرض حالة الطوارئ حصراً عند حصول «انتفاضة ضد الوطن» أو «أعمال عنف تهدد (...) بانقسام الأمة».وسيكون الرئيس صاحب قرار فرض حالة الطوارئ قبل عرضه على البرلمان الذي يحق له اختصارها أو تمديدها أو رفعها عندما يرى ذلك مناسباً.كما يحدد المدة الأولية لحالة الطوارئ بستة أشهر، وهي تفوق المدة السارية حالياً بـ12 أسبوعاً، ويستطيع البرلمان لاحقاً تمديدها بطلب من الرئيس لأربعة أشهر كل مرة.البرلمانسيرتفع عدد النواب من 550 إلى 600، وسيتم خفض الحد الادنى لسنهم من 25 إلى 18 سنة.كما سيتم تنظيم انتخابات تشريعية مرة كل خمس سنوات بدلاً من أربع، وبالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي. وسيحتفظ البرلمان بسلطة إقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات. وستكون لديه صلاحيات الإشراف على أعمال الرئيس لكن الاخير سيحظى بسلطة اصدار المراسيم الرئاسية بشأن كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية. ولا يمكن بالمقابل للرئيس إصدار مراسيم في مسائل بت بها القانون. وإذا اتهم الرئيس أو حامت حوله شبهات بارتكاب جنحة، فيجوز للبرلمان أن يطلب فتح تحقيق على أن يكون ذلك بغالبية ثلاثة أخماس الاعضاء.هل يبقى رئيساً حتى 2029؟ينص مشروع الاصلاح الدستوري على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بشكل متزامن في الثالث من نوفمبر 2019. وسينتخب الرئيس لولاية من خمس سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة. ولن يكون مرغماً على قطع علاقاته مع حزبه.انتخب أردوغان رئيساً في أغسطس 2014 بعد أكثر من عقد شغل فيه منصب رئيس الوزراء. وفي حال بدأ تطبيق المادة المتعلقة بالعدد الاقصى للولايات الرئاسية اعتباراً من 2019، فقد يبقى أردوغان في السلطة حتى العام 2029. وما زال على السلطات أن توضح هذه النقطة.