عند تحليل الحرب وصولاً إلى أكثر حساباتها وحشية، سنجد أنَّها مجرد حسابات تجارية. تشكل حسابات التكاليف جزءاً أساسياً من الحروب؛ إذ تُحصي الأضرار المالية الفادحة التي تلحق بالاقتصادات والمجتمعات، فيما يُسمَّى "القدرة على الصمود". وهو الأمر الذي يجعل استخدام واحدةٍ من أكبر القنابل العسكرية الأميركية غير النووية (التي تُدعى أم القنابل)، لقتل 36 جهادياً في ولاية ننكرهار بأفغانستان، قراراً محيّراً من الناحية العسكرية، وفق صحيفة الغارديان. https://www.theguardian.com/world/2017/apr/14/afghanistan-bomb-trump-finds-keys-family-gun-cabinetقيمة القنبلة كل قنبلة من نوع جي بي يو-43/بي (أم القنابل) تبلغ تكلفتها 16 مليون دولار أميركي، من أصل برنامجٍ تبلغ تكلفته الكلية 314 مليون دولار أميركي وأنتج حتى الآن 20 قنبلةً فقط من هذا النوع. وبلُغة الأرقام –وأكثر العبارات بروداً- يعني هذا أنَّ الجيش الأميركي أنفق حوالي 5% من مخزون "أم القنابل" لقتل 36 من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بتكلفةٍ تصل إلى 450 ألف دولارٍ أميركيٍّ للفرد. وبالمقارنة، فإن قنبلةً عاديةً تبلغ من الوزن 450 كغ، مثل إم كي-8 المُستخدمة في الضربات الجوية بسوريا والعراق، تبلغ تكلفتها حوالي 12 ألف دولارٍ أميركيٍّ فقط. وفي مقارنةٍ أخرى، سنتحدث عن الـ59 صاروخ كروز من نوع توماهوك التي أُطلقت على مطار الشعيرات العسكري بسوريا قبل أسبوع، والذي ادَّعت واشنطن أنَّه مصدر الهجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة خان شيخون.تم تطوير هذا النوع من القنابل عام 2003 ستتكلف عملية استبدال هذه الصواريخ حوالي 60 مليون دولارٍ أميركي، إذ تبلغ تكلفة الواحد حوالي مليون دولارٍ أميركي، وألقت الصواريخ مُجتمعةً أكثر من ضعف المتفجرات التي تحتوي عليها "أم القنابل". وحتى الآن، تُعتبر "أم القنابل" واحدةً من أكثر الأسلحة العسكرية تكلفةً. تم تطوير هذا النوع من القنابل عام 2003 للمشاركة في غزو العراق، وعلى عكس ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM)، فإن "أم القنابل" (التي تنفجر قبل الوصول إلى سطح الأرض بقوةٍ كبيرة) لم تُستخدم في الغزو، نظراً لقوتها المُفرطة والمخاوف من أن تُخلِّف إصابات بين المدنيين، نتيجة المدى الكبير لانفجارها. ومن المستبعد أن يُغيِّر هذا الافتراض الهجوم الذي تمَّ مساء الخميس، 15 أبريل/نيسان، على ما اكتشفنا أنَّه عدد محدود من مقاتلي داعش ذوي التسليح الخفيف داخل شبكة أنفاق تابعة للتنظيم.تلاقي وعود ترامب وفشل أميركا العسكري جاء استخدام دونالد ترامب العشوائي لـ"أم القنابل" في أفغانستان ليُسلِّط الضوء على الفشل الأميركي في الفوز بـ"أبو الحروب"، وهو الصراع الذي بدأه جورج دبليو بوش عام 2001، عندما هاجم نظام طالبان في أفغانستان، وامتدَّ الصراع ليصل إلى عامه الـ16 حتى يومنا هذا. أفغانستان هي الصراع الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح الأمر بمثابة عذاب لا نهاية له بالنسبة للشعب الأفغاني. وأعداد الضحايا من المدنيين في ازديادٍ دائم؛ إذ وصلت في عام 2016 إلى أعلى مستوى سجَّلته الأمم المتحدة، بعد مقتل وإصابة قرابة الـ11500 مدنيٍّ أعزل ثُلثُهم من الأطفال. وأعلن المسؤولون الأفغانيون، الجمعة، الموافق 14 أبريل/نيسان، عدم إصابة أي مدنيين بعد إلقاء الولايات المتحدة لقنبلة جي بي يو-43/بي "أم القنابل" على شرقي ولاية ننكرهار. وأضاف المسؤولون أنَّ الانفجار تسبَّب في مقتل 36 من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ونظراً للموقع النائي ولمدى انفجار القنبلة الذي يصل إلى ميلٍ كامل؛ فيجب التعامل مع الأرقام الرسمية بحذر. ولا يوجد حتى الآن تفسيرٌ معقولٌ للأسباب التي دفعت الجنرال جون نيكلسون (قائد القوات الأميركية في أفغانستان) إلى أن يُقرر فجأةً إلقاء سلاح ذي تدمير شاملٍ لم يسبق استخدامه من قبل في هذا التوقيت تحديداً، كما لا تتوافر معلوماتٌ كافيةٌ عمَّا إذا كان من المخطط تنفيذ هجماتٍ أخرى باستخدام "أم القنابل". وبحسب تصريحات ترامب بعد الهجوم، فلا يبدو الرئيس الأميركي مهتماً بتأثير الهجوم على المدنيين، أو بالانطباع الذي سيخلِّفه هذا التصعيد أحادي الجانب على باقي دول العالم. لقد تعهّد ترامب خلال حملته الانتخابية العام الماضي "أن يقصف داعش بالقنابل عن بكرة أبيهم". وقد يكون هذا أحد الوعود القليلة التي ينوي "ترامب المُفَجِّر" الحفاظ عليها.منح ترامب القادة الميدانيين حرية التصرُّف وبعد مرور ثلاثة شهورٍ على حكمه، بدأ يظهر نمطٌ جديد، فقد منح ترامب القادة الميدانيين حريةَ التصرُّف ظاهرياً، ما أدى بالتالي إلى انفلات زمام الأمور وإطلاق العنان للجيش الأميركي. وكانت النتيجة المباشرة لذلك ازدياد الضحايا من المدنيين في سوريا والعراق. وفي حال ساءت الأمور، سيتمكَّن ترامب من أن ينأى بنفسه عن الواقعة، كما فعل في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد فشل أول عمليةٍ عسكريةٍ تحت إمرته (العملية المتهورة للقوات الخاصة في اليمن). وفي ظل الزمام المنفلت، يبدو أنَّ القوات الجوية الأميركية تتصرف بتهورٍ أيضاً على نحوٍ خاص، فلم تتحمل حتى الآن المسؤولية الكاملة عن القصف المأساوي لمبنى سكني بالموصل الشهر الماضي، الذي تسبَّب في مقتل حوالي 150 شخصاً. وخلال الأسبوع الماضي، تسببت الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في مقتل 18 مقاتلاً سورياً من حلفائها عن طريق الخطأ. ولم تنجح الهجمات البحرية بالصواريخ الجوالة على مطارٍ عسكريٍّ سوريٍّ في تخفيف معاناة المدنيين السوريين، لكنها نجحت في إظهار ترامب بمظهر مُنفِّذ القوانين الصارم على الساحة الدولية. وهو الآن يتَّخذ موقفاً مشابهاً ضد كوريا الشمالية؛ إذ سيتسبب قراره بنشر قوةٍ بحريةٍ ضاربةٍ مسلحةٍ بصواريخ نووية في تحويل مشكلةٍ طويلة الأمد إلى أزمةٍ شديدة الخطورة. وتتوافق محاولات ترامب الواضحة لإرغام بيونغ يانغ على الخضوع مع أسلوب حملته الانتخابية؛ إذ استخدم خلالها التهديدات والإهانات الصارخة والاستعراض المتبجِّح والادِّعاءات التي لا أساس لها من الصحة، بدلاً من اللجوء إلى الحوار والسياسات المعتدلة. وقد نجح هذا الأسلوب مع قطاعٍ عريضٍ من الناخبين الأميركيين، لكنه على الأرجح لن يكون فعالاً في القضايا الدولية الصعبة، والتعامل مع كيم جونغ أون وفلاديمير بوتين وبشار الأسد والملالي الإيرانيين، الذين سيكونون الهدف المحتمل التالي لترامب. ويرغب ترامب بشدة في أن يُبرهن على فاعليته كرئيس. وبغضِّ النظر عن الاعتبارات واسعة النطاق المرتبطة بعلاقاته مع روسيا وسلامة المواطنين في سيول، يتركز اهتمام ترامب على بناء ملفه الشخصي كقائدٍ أعلى لا يُستهان به.شرطي العالم وعلى الرغم من انتقاده في السابق للدور الذي تلعبه أميركا كـ"شرطي العالم"، يبدو ترامب وكأنَّه قد وجد طريقه لخزانة الأسلحة الأميركية. ويُظهر هجوم أفغانستان عدم قدرة ترامب على مقاومة الرغبة في إظهار قوته. وكما حدث مع القصف الصاروخي على سوريا، ليس من المتوقع أن يكون لهجوم أفغانستان أيّ تأثيرٍ حقيقيٍّ على مسار الصراع الأفغاني. فهذا النوع من استراتيجيات "الصدمة والترويع" نادراً ما يمتلك أي تأثيرٍ على الإطلاق. فتنظيم داعش مستمرٌ في إحراز مكاسب إقليميةٍ هامة، كما تشهد حركة طالبان طفرةً جديدة. وقنبلةٌ واحدة، مهما كان حجمها، لن تؤثر على سير الأحداث. ونتيجة منح داعش هذا النوع من الاهتمام، تسبَّب ترامب وقادته العسكريون في تسليط الضوء على انتصارات التنظيم، كما عزَّز ذلك في الوقت نفسه من دعاية داعش التي تدعي أن التنظيم يخوض جهاداً عادلاً ضد غزاة الغرب الكافر. ويُبرهن الهجوم أيضاً على فشل استراتيجية حلف الناتو في مرحلة ما بعد الانسحاب، التي تنصُّ على تعزيز قدرات قوات الأمن الوطنية الأفغانية. وتجاهَلَ ترامب الإشارة إلى الأزمة الأفغانية خلال حملته الانتخابية، على الرغم من وصفه لتدخل بوش في السابق بأنه "خطأٌ فادح". ولا يمتلك ترامب سياسةً واضحةً لإنهاء الصراع في أفغانستان، تماماً كما هو الحال في سوريا وكوريا الشمالية. وفي صباح اليوم التالي لهجوم "ترامب المُفجِّر"، يبقى الوضع على ما هو عليه. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.