فرح الفلسطينيون في العاشر من هذا الشهر - إبريل - بـ(اعتماد) انضمامهم لـ(اتفاقيات جنيف) الأربعة.. الأشهر والأهم، والأكثرانصياعاً لبنودها.. من قبل دول العالم أجمع.. بمن فيهم الدول المارقة منذ اعتماد توقيعها دولياً وبإجماع دول العالم الواحد والستين آنذاك من عام 1949م.. بعد أن تقدم رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) في الثاني من إبريل بطلب الانضمام إليها، ليتلقى في المقابل.. رسالة من رئيس الاتحاد السويسري - الدولة الحاضنة لتلك الاتفاقيات - في العاشر من الشهر نفسه.. يعلمه فيها بـ(إيداع صك انضمام دولة فلسطين إلى مواثيق جنيف الأربعة لعام 1949م، وإلى بروتوكول عام 1977م اعتباراً من يوم الثاني من إبريل الجاري.. التزاماً بالمواد 61 و62 و141 و157 من مواثيق جنيف الأربعة).. التي تنص على (حماية المجتمع المدني في الأراضي المحتلة من قبل سلطة الاحتلال)، والتي تحظر (استيطان مواطني السلطة المحتلة.. للأراضي التي تم احتلالها).. إلى جانب (حماية ضحايا الحرب من جرحى المعارك وإغاثة المنكوبين وحماية أسرى الحرب وحماية المدنيين) و(أن دولة فلسطين أصبحت عضواً متعاقداً سامياً لمواثيق جنيف الأربعة).. ليتلقى (أبو مازن) تأكيداً رسمياً - بعد ذلك - من أمين عام الأمم المتحدة (بان كي مون) الذي تجاوز أمريكيته فيه ربما لأول مرة.. عبر رسالته التي قال فيها: بـ (أن صكوك الانضمام إلى 13 معاهدة وميثاقاً دولياً تمت يوم الثاني من إبريل)!! لتثور ثائرة (إسرائيل) على هذا الانضمام الذي تعلم عواقبه على ملفات: (الاستيطان) الإسرائيلي المسعور في أراضي (السلطة الفلسطينية)، و(الأسرى) الفلسطينيون الذين تكتظ بهم السجون الإسرائيلية منذ عشرات السنين، و(الحدود) و(اللاجئين) و(القدس الشرقية).. عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة والمرتقبة في إطار (حل الدولتين).. مهددة متوعدة بـ (خنق) الفلسطينيين اقتصادياً بالامتناع (عن تحويل الضرائب التي تجمعها لحسابهم)!! وبـ (التسريع) في دوران عجلة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبـ (إعلانها) عدم إطلاق سراح الدفعة الرابعة من السجناء الفلسطينيين.. الذي تم الاتفاق عليه مسبقاً وقبل الشروع في مفاوضات التسعة أشهر - من أول أغسطس إلى نهاية إبريل - لجذب الفلسطينيين إليها.. بل وتحويله إلى (شرط) لا يتم إنفاذه ما لم يتم اعتراف الفلسطينيين بـ (يهودية) الدولة!! وهو شرط إسرائيلي جديد لإطلاق سراح الدفعة الرابعة من السجناء.. ولاستمرار التفاوض مع الفلسطينيين، الذي يرعاه.. وزير الخارجية الأمريكية (جون كيري) ربما بأعلى درجات (الحيدة) الأمريكية غير المتوقعة من غيره دون شك.. في أمر يخص الطرف الإسرائيلي - الربيب والصديق والشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية -، والذي أمكن رؤية بعض ملامح أفكاره من خلال (التسريبات) الترشحت عن آخر جلسات المفاوضات بين الطرفين التي أدارها (كيري) نفسه.. قبل مغادرته إلى واشنطن، والتي ذكرت.. من أنه لا مانع لديه من (بقاء) المستوطنات الإسرائيلية - غير الثلاث الكبرى - التي ترفض أو يرفض المستوطنون الجلاء عنها.. تحت إدارة السلطة الفلسطينية!! واعتماد (القدس) عاصمة للدولتين: «الغربية» لإسرائيل».. و»الشرقية» لفلسطين.. مثلاً، وهي أمور.. تعتبر من المحرمات الأمريكية.. قبل قدوم (كيري) للخارجية الأمريكية..! * * * نعم.. لقد فرح الفلسطينيون.. بهذا (الانضمام).. وهذا الإنجاز السياسي الكبير، الذي وصف الرئيس الفلسطيني «يومه» الموافق للثاني من إبريل.. بـ(اليوم التاريخي) في حياة فلسطين والفلسطينيين، وقال عنه كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات.. بأنه يوم (تنتقل فيه «فلسطين» من مربع إملاءات الاحتلال الإسرائيلي.. إلى مربعات القانون الدولي)، فإذا كان من الطبيعي أو تحصيل الحاصل كما يقولون.. أن لا تتبادل الإدارة الأمريكية الأنخاب مع الفلسطينيين.. فرحاً وابتهجاً بهذا الانضمام إلى (اتفاقيات جنيف)، أو أن تسير معها (أوروبا) كاترين أشتون، فمن المؤكد.. أن المعوذين والمحتاجين من دول شرق أوروبا وأمثالها ممن يعيشون على هبات أو صدقات أو معونات الولايات المتحدة الأمريكية وفتات موائدها.. لن يفتحوا أفواههم بكلمة تأييد واحدة لهذا القرار: سواء بـ (الثناء) على رئيس الاتحاد السويسري لـ (شجاعته) وسرعة استجابته للطلب الفلسطيني بالانضمام إلى (اتفاقيات جنيف).. أو (الإشادة) بـ(بان كي مون) وجرءته في الخروج عن النص الأمريكي بإبلاغ الرئيس الفلسطيني بأن (صكوك الانضمام إلى 13 معاهدة وميثاقاً دولياً.. تم إيداعها يوم الثاني من إبريل).. فإذا كان كل ما سبق متوقعاً ومفترضاً، فإن غير المتوقع وغير المفترض بطبيعة الحال.. أن يصمت (العرب) جميعاً وفي مقدمتهم (ببغاوات) الجامعة العربية عن (الترحيب) بهذا الانضمام إلى (اتفاقيات جنيف) أو تأييده أو الإشادة بإنجازه.. رغم أن (الانضمام) إلى تلك الاتفاقيات له معنى سياسي واحد: هو أن لا (شرعية) بعده للاستيطان في أراضي الدولة المحتلة، وأن لا شرعية لهذه الاعتقالات التي طالت آلاف المدنيين الفلسطينيين، وأن لا شرعية لأية تغييرات (ديموغرافية) تحدثها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالقوة الجبرية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة.. سواء بتهجير المواطنين أو الاستيلاء على دورهم ومدارسهم أو هدم مساجدهم وكنائسهم بألف حجة وحجة.. بينما يدعي العرب جميعاً ومايزالون بأن (القضية الفلسطينية) تشكل مرتكز سياستهم الوطنية.. بل والمحورية..!! وللحق.. فإن القضية الفلسطينية تتصدر معظم البيانات المشتركة للقاءات الزعامات العربية السياسية.. إن لم تكن جميعها حتى ولو كانت مع زعيم من (لاوس) أو (كمبوديا) أو (كولومبيا).. في إشارات حميمية وقورة إلى أنه تم بحث (مستجدات) القضية الفلسطينية.. مع الإشادة بتطابق وجهات نظر الطرفين.. حيالها!! * * * معذرة.. فقد نسيت بأن العرب مشغولون.!! بـ(انقساماتهم)، والكيد لبعضهم، والتدخل في شؤون بعضهم، وتأجيج اختلافاتهم المذهبية الدينية حيثما وجدت على وجه التخصيص.. بين السني والشيعي والزيدي والأباضي والإسماعيلي والعلوي.. حتى ولو أدى هذا التأجيج في النهاية إلى اشتعال الحرب بين هؤلاء وأولئك.. ولم ينج أحد لا من هؤلاء ولا من أولئك!! إذ لولا هذا الانشغال الموضوعي..؟! لتسابقوا في الترحيب والتأييد وإرسال برقيات التهاني لانضمام دولة فلسطين تحت الاحتلال إلى اتفاقيات جنيف الأربعة، أما إذا كان صمتهم المريب - حتى الآن - عن ذلك.. إنما كان مراعاة (لخاطر) إسرائيل وأصدقائها أو رعاتها، فإن ذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً.. هو أننا كـ(عرب) قد وصلنا ونحن لا ندري إلى الفصل الأخير أو السطر الأخير في (كتاب الموتى).. أو (الأمم البائدة)..!! * * * على أي حال.. فإن الفرح - على المستوى الفلسطيني - بهذا الانضمام لـ(اتفاقيات جنيف الأربعة).. ينتظر خطوته التالية حتى يؤتي ثماره على أرض الواقع، والتي على وزير خارجية السلطة الفلسطينية الأستاذ (رياض المالكي).. أن يقودها بذات القدرة والكفاءة التي قاد بها مشوار الانضمام لاتفاقيات جنيف.. الأربعة: الأدق والأصعب.. في هذا التوقيت القياسي، وفي هذه المرحلة الحرجة والهامة من عمر مفاوضات (كيري)، التي أخذت تتصدع في الأيام الأخيرة من شهورها التسع.. قبل ولادة (إطار) السلام المنتظر من رحمها الذي ظل (كيري) خلال زياراته العشر - للمنطقة - يعمل على تنقيحه أو تلقيحه خلالها.. لتنسفه (إسرائيل) بشرط الامتناع عن إطلاق سراح الدفعة الرابعة من السجناء الفلسطينيين ما لم يتم (اعتراف) الفلسطينيين بـ(يهودية) الدولة..! وإذا كان وزير الخارجية الفلسطينية الفذ الأستاذ رياض المالكي.. أو (مايسترو) الانضمام لـ(اتفاقيات جنيف الأربعة).. قد ألمح إلى (المسؤوليات الجسام) التي ستقع على مؤسسات السلطة الفلسطينية بعد إعلان هذا (الانضمام) الذي تم إبلاغه لـ(دول) منظمة الأمم المتحدة المائة والتسعين، فإننا من باب التذكير - الذي قد لا تحتاجه فطنة وذكاء الأستاذ المالكي السياسي - نقول له.. إن أول تلك المهام الجسام تتمثل في الترتيب وبأقصى سرعة لـ(دعوة) تلك الدول الأوروبية الغربية الخمس (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا واللوكسمبورج عاصمة الاتحاد الأوروبي) لزيارة رام الله وأراضي السلطة الفلسطينية، فهي التي استنكرت حمى الاستيطان الإسرائيلي الذي يعصف بالأراضي الفلسطينية.. بل واستدعت سفراء إسرائيل لديها لإبلاغهم باضطرار (مقاطعتها) اقتصادياً.. إن استمرت في هذا التوسع الاستيطاني الذي ينسف (حل الدولتين)، الذي أقرته الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقامت عليه مفاوضات (كيري).. حتى يروا بأعينهم (حجم) الاستيطان الإسرائيلي المهول (440 مستوطنة و44 مستعمرة و48 قاعدة)!! ويسمعوا بـ(آذانهم) أنين آلاف المساجين الفلسطينيين الذين مضى على المحظوظين منهم واحداً وثلاثينً عاماً وهم من يسمون بـ(سجناء) ما بعد أوسلو. إن (استزارة) كهذه ومهما كلفت من جهود وأموال.. ستقلب (الطاولة) على إسرائيل وتعنتها، وستعيدها إلى المفاوضات.. التي قتلتها بـ(شفرتي): (الامتناع) عن إطلاق الدفعة الرابعة من السجناء الفلسطينيين.. و(الإصرار) على الاعتراف بيهودية الدولة مسبقاً، وربما حملتها على القبول - خوفاً من المقاطعة الأوروبية لها - بتلك التسريبات عن (القدس) كعاصمة للدولتين، وعن بقاء (المستوطنات) الرافضة للإخلاء تحت حكم السلطة الفلسطينية.. ليكون عام 2014م هو عام السلام، وكما حلم به الرئيس محمود عباس، ويكون (كيري).. أحد مرشحي (نوبل للسلام) عن هذا العام رغماً عن سخريات (موشيه يعالون) وزير الجيش الإسرائيلي.. الذي طالب بـ(الجائزة) لكيري.. ليس حباً فيه أو تقديراً لجهوده في تحقيق سلام مستحيل برعاية أمريكية ولكن لـ(صرفه) و(الراحة) منه..!